قال: فخرجت روحه في الحال، فإذا بصوت ينادي من زاوية البيت سمعه كل من حضر وهو يقول: تذلل العبد لمولاه، واعتذر إليه مما جناه، فقرّبه وأدناه وجعل الجنة مأواه.
(يا من نسي العهد القديم وخان، من الذي سواك في صورة الإنسان من الذي غذاك في أعجب مكان، من الذي بقدرته استقام الجثمان الذي بحكمته أبصرت العينان، من الذي بصنعته سمعت الأذنان، من الذي وهب العقل فاستبان للرشد وبان، من الذي بارزته بالخطايا وهو يستر العصيان، مَنِ الذي تركت شكره فلم يؤاخذ بالكفران، إلى كم تخالفه وما يصبر على الخلاف الأبوان، وتعامله بالغدر الذي لا يرضاه الإخوان، وتنفق في خِلافه ما عَزَّ وهان، ولو علم الناس منك ما يعلم: ما جالسوك في مكان، فارجع إليَّه ما دمت في زمن الإمكان، وتب إليه فإنه الرحيم الرحمن، عساه أن يعفو عما سلف وكان من الذنوب والعصيان.
(كم عاهدته مرارًا فوجدك غدارًا، أراك ضعيف اليقين، يا مؤثر الدنيا على الدين، أقلع عن المعاصي قبل أن تندم، هذا هو الدواء إن كنت تفهم.
(٣) الاعتراف بالذنب:
إذ لا يمكن أن يتوب المرء من شئ لا يعده ذنباً.
(٤) الندم على ما سلف من الذنوب والمعاصي:
ولا تتصور التوبة إلا من نادم حزين آسف على ما بدر منه من المعاصي، لذا لا يعد نادماً من يتحدث بمعاصيه السابقة ويفتخر بذلك ويتباهى بها.
[*] (قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه مدارج السالكين:
فأما الندم: فإنه لا تتحقق التوبة إلا به إذ من لم يندم على القبيح فذلك دليل على رضاه به وإصراره عليه.
وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.
(حديث ابن مسعود رضي الله عنه الثابت في صحيح ابن ماجه) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "الندم توبة.
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير:
(الندم توبة) أي هو معظم أركانها لأن الندم وحده كاف فيها من قبيل الحج عرفة وإنما كان أعظم أركانها لأن الندم شيء متعلق بالقلب، والجوارح تبع له فإذا ندم القلب انقطع عن المعاصي فرجعت برجوعه الجوارح.
(تتمة) قال في الحكم: من علامة موت القلب عدم الحزن على ما فاتك من المرافقات وترك الندم على ما فعلته من الزلات. (فائدة) من ألفاظهم البليغة مخلب المعصية يقص بالندامة وجناح الطاعة يوصل بالإدامة.