للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى هذا فإذا كانت أعمالك تأتي مطابقة لأقوالك فأنت صادق، يستوي سرك مع علانيتك وظاهرك مع باطنك وخلوتك مع جلوتك فأنت مخلص، و علامة أخرى للإخلاص، أنك إذا فعلت عملا طيبا تبتغي به وجه الله وحده لا تعبأ كثيرا بمدح الناس لك، بل لا تستجدي منهم المديح، يستوي عندك أنهم ذكروا أو لم يذكروا، شكروا أو لم يشكروا، قدّروا أو لم يقدِّروا، لا تعلِّق أهمية على ردود الفعل، لكن ليس معنى هذا ألاّ تبالي بسمعتك، النبي عليه الصلاة و السلام كان حريصاً على سمعته، كما في الحديث الآتي:

(حديث صفية بنت حيي رضي الله عنها الثابت في الصحيحين) قالت: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معتكفا فأتيته أزوره ليلا، فحدثته ثم قمت فانقلبت، فقام معي ليقلبني، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد، فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسرعا، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (على رسلكما، إنها صفية بنت حيي). فقالا: سبحان الله يا رسول الله، قال: (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما سوءا، أو قال: شيئا).

[*] قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح:

(وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما سوءا، أو قال: شيئا) خشيَ عليهما أن يوسوس لهما الشيطان ذلك لأنهما غير معصومين فقد يفضى بهما ذلك إلى الهلاك فبادر إلى اعلامهما حسما للمادة وتعليما لمن بعدهما إذا وقع له مثل ذلك. أهـ

وهذا درس بليغ لنا، «عوِّد نفسك أن توضِّح و تبيِّن»،

(قال أحد العلماء:

أذكر إنساناً جاء إلى محله التجارى امرأة رحّب بها كثيراً، عنده ضيف في المكتب، قال لي: غريب، ليس هذا من أخلاق فلان، قلت له: هذه أخته يقينا، أنا لا أعرفها، و لكني أعرفه ورعا، كان الأولى أن يدخل إلينا و يقول: جاءت أختي، حتى لا يستغرب الضيف هذا الترحيب، لأن المؤمن يتكلم مع المرأة التي تحل له كلاماً عادياً جدا دون زيادة، ودون إلانة قول. إذن هناك صدق الأقوال و صدق الأعمال، و حيثما وردت كلمة الصادقين في الأعمّ الأغلب تعني صدق الأعمال، و قلما تجد إنسانا تأتي أفعاله مطابقة لأقواله.

<<  <  ج: ص:  >  >>