(و مستوى آخر من الصدق، ألاّ ترد الحق، قد يأتي إنسان يقول لك: هذا الذي قلته غير صحيح، و الصواب هو كذا، و الدليل هو الآية و الحديث، فإن لم تقل له جزاك الله خيرا، فقد أكرمتني بهذه النصيحة، فأنت لست صادقا، إذا كان في الإمكان أن تردّ الحقّ و أن تستنكف عن قبوله و أن تستعلي عن أن تأخذه من إنسان تظنه دونك، لكن المؤمن الصادق يتعلم و لو من غلام أبو حنيفة النعمان كان يمشي في الطريق فرأى غلاما أمامه حفرة، قال له: يا غلام
إياك أن تسقط، فقال له الغلام: بل أنت يا إمام إياك أن تسقط، إني إن سقطت سقطت وحدي، وإنك إن سقطت سقط معك العالم.
إذا كان الإنسان قدوة وأخطأ يكون ارتكب عملا خطيرا جدا، لأن هذا المثل الأعلى اهتز، أن تتعامل مع ألف إنسان، يصيبون و يخطئون، ولكن إذا كان في ذهنك مثل أعلى، تعلق عليه أملاً كبيراً تراه إنساناً مستقيماً، إذا أخطأ فتلك قاصمة الظهر، أنت ترضى أن يخطئ الناس جميعاً، إلا مثلك الأعلى الذي تقتدي به و تراه في موطن منزّه عن كل خطأ، فإن رأيته يخطئ عمداً فتلك الطامة الكبرى، لا أحد معصوم إلا النبي، المؤمن غير معصوم، و لكنه لا يرتكب الكبائر وليس معنى هذا أنه يصر على الصغائر، المؤمن غير معصوم، لا يمكن أن يصر على صغيرة مهما بدت صغيرة، وقّافا عند كتاب الله، سريعا ما يتراجع و يستغفر و يشكر الذي نصحه، لذلك قالوا: النبي معصوم و الولي محفوظ، النبي لا يفعل خطأ، بينما الولي لا يضره خطؤه، لأنه سريعا ما يتوب منه و يستغفر، قال تعالى: (وَالّذِي جَآءَ بِالصّدْقِ وَصَدّقَ بِهِ أُوْلََئِكَ هُمُ الْمُتّقُونَ) [الزمر: ٣٣]