للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[*] وقال الزمخشري: المضطر: الذي أحوجه مرض، أو فقر، أو نازلة من نوازل الدهر إلى اللجأ والتضرع إلى الله. (١)

[*] وقال القرطبي: ضَمِنَ الله _ تعالى _ إجابة المضطر إذا دعاه، وأخبر بذلك عن نفسه.

والسبب في ذلك أن الضرورة إليه باللجأ ينشأ عن الإخلاص، وقطع القلب عما سواه، وللإخلاص عنده _ سبحانه _ موقع وذِمَّة، وُجِدَ من مؤمن أو كافر، طائع أو فاجر. (٢)

(ألم تر حال المشركين في الجاهلية الأولى كيف يتخلّون عن آلهتهم ويَدْعُون الله مخلصين له الدين وذلك إذا ركبوا في الفلك، واضطربت بهم الأمواج، كما في قوله تعالى: (حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)

[يونس / ٢٢].

والمشركون ما كانوا يفزعون لآلهتهم عند الشدائد، بل كانوا يلجئون إلى الله، إذ النفوس جُبلت على الالتجاء لله وحده عند حصول المكروه؛ إلا ما يكون من بعض مشركي زماننا! فإن ملجأهم ومفزعهم (الولي) أو (القطب)، فأبو جهل أفقهُ من هؤلاء!!

تأمّل قول الله تبارك وتعالى: (وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)

[لقمان / ٣٢]

[*] قال ابن القيم – رحمه الله –:

التوحيد مَفْزَعُ أعدائه وأوليائه؛ فأما أعداؤه فينجيهم من كُرب الدنيا وشدائدها: (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ)

[العنكبوت / ٦٥]

، وأما أولياؤه فينجيهم به من كربات الدنيا والآخرة وشدائدها، ولذلك فزع إليه يونس فنجّاه الله من تلك الظلمات، وفزع إليه أتباع الرسل فَنَجَوا بِهِ (٣) مما عُذِّبَ به المشركون في الدنيا، وما أُعِدّ لهم في الآخرة، ولما فزع إليه فرعون عند معاينة الهلاك وإدراك الغرق له لم ينفعه؛ لأن الإيمان عند المعاينة لا يُقبل. هذه سنة الله في عباده. فما دُفِعَتْ شدائد الدنيا بمثل التوحيد ... (٤).


(١) الكشاف للزمخشري ٣/ ١٤٩.
(٢) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ١٣/ ٢٢٣.
(٣) - أي بالتوحيد.
(٤) - الفوائد (ص ٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>