للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جاءني أحد الصالحين، سنة ثلاث عشرة وثماني مائة، والناس إذ ذاك من الظلم في أخذ الأموال منهم ومعاقبتهم إذا لم يؤدوا أجرة مساكنهم التي يسكنوها حتى ولو كانت ملكاً لهم، بحال شديدة، وأخذنا نتذاكر ذلك فقال لي: مالسبب في تأخر إجابة دعاء الناس في هذا الزمان، وهم قد ظلموا غاية الظلم، بحيث أن امرأة شريفة عوقبت لعجزها عن القيام بما ألزمت به من أجرة سكنها الذي هو ملكها، فتأخرت إجابة الدعاء مع قول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((اتق دعوة المظلوم, فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)) وها نحن نراهم منذ سنين يدعون على من ظلمهم، ولا يستجاب لهم.

[*] قال المقريزي:

سبب ذلك أن كل أحد صار موصوفا بأنه ظالم، لكثرة ما فشا من ظلم الراعي والرعي، وإنه لم يبق مظلوم في الحقيقة، لأنا نجد عند التأمل كل أحد من الناس في زماننا وإن قل، يظلم في المعني الذي هو فيه من قدر على ظلمه، ولا نجد أحداً يترك الظلم إلا لعجزه عنه، فإذا قدر عليه ظلم، فبان أنهم لا يتركون ظلم من دونهم، إلا عجزاً لا عفة.

هل عرفتم تفكروا، وليفتش كل منا عن نفسه، وعن الظلم الذي يمارسه في حياته،.

(الحِكَم من تأخُرِ إجابة الدعاء:

(من البلاء على المؤمن أن يدعو فلا يجاب، فيكرر الدعاء، ويبالغ فيه، وتطول المدة، فلا يرى أثرًا للإجابة.

(ومن هنا يجد الشيطان فرصته، فيبدأ بالوسوسة له، وإساءة ظنه بربه، وإيقاعه بالاعتراض على حكمته.

فينبغي لمن وقعت له هذه الحال ألا يختلج في قلبه شيء مما يلقيه الشيطان؛ ذلك أن تأخر الإجابة مع المبالغة في الدعاء يحمل في طياته حِكَمَاً باهرةً، وأسرارًا بديعة، لو تدبرها الداعي لما دار في خَلَدِه تضجر من تأخر الإجابة.

[*] (وفيما يلي ذكر لبعض تلك الحكم والأسرار، والتي يجمل بالداعي أن يتدبرها، ويحسن به أن يستحضرها، الحِكَم من تأخُرِ إجابة الدعاء، وهاك الحِكَم من تأخُرِ إجابة الدعاء جملةً وتفصيلا:

[*] (أولاً الحِكَم من تأخُرِ إجابة الدعاء جملةً:

(١) أن تأخر الإجابة من البلاء الذي يحتاج إلى صبر:

(٢) أن الله تعالى هو مالك الملك:

(٣) أنه لا حق للمخلوق على الخالق:

(٤) أن الله تعالى له الحكمة البالغة:

(٥) قد يكون في تحقق المطلوب زيادة في الشر:

(٦) أن اختيار الله للعبد خير من اختيار العبد لنفسه:

(٧) أن الإنسان لا يعلم عاقبة أمره:

(٨) الدخول في زمرة المحبوبين لله تعالى:

(٩) أن المكروه قد يأتي بالمحبوب والعكس بالعكس:

<<  <  ج: ص:  >  >>