للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حيث كانوا-الصحابة- إذا جاء أحدهم إلى المجلس لم يتكلف الجلوس في المقدمة، أو مزاحمة ومضايقة الجالسين، بل كانوا يجلسون حيث انتهى بهم المجلس، وهذا من كمال أدبهم-رضي الله عنهم وأرضاهم-.

(٩) النهي عن تناجي اثنين دون الثالث:

في اللسان، النجو: السِّرُّ بين اثنين، يقال: نَجَوته نجواً أي ساررته، وكذلك ناجيته، والاسم النجوى (١). والتناجي المنهي عنه، هو أن يتسَّار اثنان دون الثالث، والعلة في ذلك، حتى لا يدخل الحزن إلى قلب الثالث لما يراه من تسَّار صاحبيه، والشيطان حريصٌ كل الحرص على إدخال الحزن، والوساوس، والشكوك على قلب المسلم، فجاء النهي النبوي عن ذلك حتى يقطع الطريق على الشيطان، وحتى لا يظن المسلم بإخوانه سوءً، وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة:

((حديث ابن مسعود الثابت في الصحيحين) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى رجلان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس فإن ذلك يحزنه.

[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير.

(إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى) التناجي التحادث سراً

(رجلان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس) أي تنضموا إليهم وتمتزجوا ويتحدث بعضهم مع بعض.

(فإن ذلك يحزنه) ثم علل ذكر النهي بقوله فإن ذلك يحزنه، أي التناجي مع انفراد واحد، وذلك لئلا يقع في نفسه أنهما يتحدثون عنه بما يشينه أو أنهما لم يشاركاه في الحديث احتقاراً له.

(وأما إن كان القوم أربعة فما فوق فلا بأس بذلك، لانتفاء العلة.

(١٠) النهي عن سماع الحديث بدون إذن:

لقد جاء وعيد شديد فيمن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون، وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة:

((حديث ابن عباس الثابت في صحيح البخاري) أنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلْمٍ لَمْ يَرَهُ كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ وَلَنْ يَفْعَلَ وَمَنْ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ أَوْ يَفِرُّونَ مِنْهُ صُبَّ فِي أُذُنِهِ الْآنُكُ (٢) يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنْ صَوَّرَ صُورَةً عُذِّبَ وَكُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا وَلَيْسَ بِنَافِخٍ.


(١).لسان العرب. لابن منظور (١٥/ ٣٠٨) مادة (نجا)
(٢). الآنك: هو الرصاص المذاب. انظر فتح الباري (١٢/ ٤٤٧)

<<  <  ج: ص:  >  >>