للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بمثله البتة، فإن اللبن في الضرع محفوظ غير معرض للفساد، فإذا حلب صار عرضة لحمضه وفساده، فلو ضمن اللبن الذي كان في الضرع بلبن محلوب في الإناء كان ظلما تتنزه الشريعة عنه.

وأيضا فإن اللبن الحادث بعد العقد اختلط باللبن الموجود وقت العقد، فلم يعرف مقداره حتى يوجب نظيره على المشتري، وقد يكون أقلّ منه أو أكثر، فيفضي إلى الربا؛ لأن أقلّ الأقسام أن تجهل المساواة.

وأيضا فلو وكلناه إلى تقديرهما أو تقدير أحدهما لكثر النزاع والخصام بينهما، ففصل الشارع الحكيم - صلاة الله وسلامه عليه وعلى آله - النزاع وقدره بحد لا يتعديانه، قطعا للخصومة وفصلا للمنازعة، وكان تقديره بالتمر أقرب الأشياء إلى اللبن، فإنه قوت أهل المدينة كما كان اللبن قوتا لهم، وهو مكيل كما أن اللبن مكيل، فكلاهما مطعوم مقتات مكيل، وأيضا فكلاهما يقتات به بلا صنعة ولا علاج، بخلاف الحنطة والشعير والأرز، فالتمر أقرب الأجناس التي كانوا يقتاتون بها إلى اللبن» (١).

هذا وقد ذكر الفقهاء مستثنيات أخرى عن هذه القاعدة (٢)، إلا أنه لم يأت فيها دليل صحيح يدل على إخراجها عن هذه القاعدة العامة. والله تعالى أعلم.


(١) إعلام الموقعين (٢/ ٢٠ - ٢١).
(٢) انظر: الفروق (١/ ٢١٤)، إيضاح المسالك (ص ١١٦ - ١١٧)، شرح المنهج المنتخب (ص ٤٩٩)، قواعد الأحكام (١/ ٢٦٦)، الأشباه والنظائر لابن السبكي (١/ ٣٠٣ - ٣٠٥)، الاعتناء (٢/ ٦٣٩، ٦٤٢، ٦٤٣).

<<  <   >  >>