سأتطرّق في هذا المطلب إلى ذكر مذاهب العلماء - كل على حدة - في ضمان النقص الحاصل في المال، ثم أتبع ذلك ببيان مدى صحة القاعدة عند أرباب هذه المذاهب، وذلك على النحو الآتي:
أولاً: المذهب الحنفي:
لا يخلو النقص الحاصل في العين المغصوبة عند الحنفية - فيما يبدو لي - عن ثلاث حالات:
الحال الأولى: أن تتغير العين المغصوبة حتى يزول اسمها ومعظم منافعها:
فهنا إما أن يكون ذلك بفعل الغاصب أو بغير فعله؛ فإن كان بفعل الغاصب زال ملك المغصوب منه عن العين المغصوبة، وملكها الغاصب وضمنها، ولا يحل له الانتفاع بها حتى يؤدي بدلها، كمن غصب شاة وذبحها وشواها أو طبخها، أو حنطة فطحنها، أو حديدا فاتخذه سيفاً.
وعلّلوا ذلك بأنه أحدث صنعة متقوّمة صيّر حق المالك هالكا من وجه، ألا ترى أنه تبدل الاسم وفات معظم المقاصد، وحقّه في الصنعة قائم من كل وجه فيترجح على الأصل الذي هو فائت من وجه، ولا نجعله سبباً للملك من حيث إنه محظور، بل من حيث إحداث الصنعة.
وأما إذا كان ذلك بغير فعل الغاصب- كأن صار العنب زبيباً بنفسه أو خلاًّ، أو الرطب صار تمراً-فإن المالك فيه بالخيار، إن شاء أخذه وإن شاء تركه وضمنه (١).