للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سادساً: تحقيق العبودية لله تعالى:

ومن أهم معاني الوسطية، تحقيق العبودية لله - عز وجل - التي خلق لها الثقلان، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)} الذاريات: ٥٦، وقال تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (٩٢)} الأنبياء: ٩٢، وقال سبحانه: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} الأعراف: ٥٩، ولا تتحقق العبودية إلا بعبادة الله بما شرع دون إفراط ولا تفريط.

فالوسطية قائمة على الاعتدال والتوسط ليتمكن العباد من عبادة ربهم على الوجه الأكمل، بحسب قدراتهم وإمكاناتهم في كل زمان ومكان.

وهذا هو أعظم الغايات وأزكى المقاصد، وعليه قوام الدين، وبه ينال العبد ما عند الله - عز وجل - من النعيم، ويظفر بجنة رب العالمين.

وقد ذكر الله - عز وجل - في كتابه عن خَوَاصِ عباده ما يوجب العلم بأن أفضل الرتب وأجلّ الكرامات تحقيق العبودية، وإخلاص العبادة، فوصف الله - عز وجل - إبراهيم -عليه السلام- في قوله: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٠)} النحل: ١٢٠، بهذه الصفات الجليلة التي هي أعلى درجات تحقيق التوحيد، ترغيباً في اتباعه في التوحيد، وتحقيق العبودية، فمن اتبعه في ذلك، فإنه يدخل الجنة بغير حساب ولا عذاب كما يدخلها إبراهيم -عليه السلام-؛ ووصف الله - عز وجل - رسوله - صلى الله عليه وسلم - بذلك في مقام الإسراء وفي مقام التحدّي، وفي مقام الدعوة، ومن توهَّم أن فوق العبادة وتحقيقها وإخلاصها رتبةً وفضلاً لأحد من العباد فهو من أضل الخلق وأجهلهم بالله وبحقه وما يجب له (١).

وتحقيق العبودية الصادقة والتي هي من أعظم معاني الوسطية، تجعل من القلة المؤمنة في غزوة بدر قوة رهيبة قهرت عظائم الأحداث، وأصبحت قانوناً خالداً ينظم حياة المسلمين على أصول الرسالة الخاتمة، ويضيء أرواح وعقول الرجال المسلمين على مر العصور بالعبر المنهجية، فالصدق والإخلاص في العمل لله وحده لا شريك له يفتح بصيرة من وفقه الله


(١) ينظر: تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد الذى هو حق الله على العبيد (ص ٧٤)، ومصباح الظلام في الرد على من كذب الشيخ الإمام ونسبه إلى تكفير أهل الإيمان والإسلام (٢/ ٣٥٤).

<<  <   >  >>