للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- ثالثاً: المأخذ الذي انطلقت منه هاتان الطائفتان.

المأخذ الذي انطلقت منه هاتان الطائفتان هو: خطؤهم في قياسهم صفات الخالق على صفات المخلوق، بجعلهم مسألة القدر المشترك في الصفات، مستلزمة للتمثيل (١).

ومنشأ الغلط هذا انبنى عليه عند أهل الأهواء والبدع الخوض في التعطيل والتشبيه، بمحض عقولهم، وجعلها هي الحاكمة القاضية فيما يؤخذ وما لا يؤخذ من أسماء الله وصفاته، فمنهم من رأى أن النصوص الشرعية تقتضي التشبيه، ومنهم من أراد تنزيه الله عن مماثلة خلقه فعطل النصوص.

- رابعا: أثر اجتماع الرد على البدع المتقابلة في موطن واحد.

أهل السنة والجماعة هم الطائفة الوحيدة التي عملت بمقتضى قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١)}، إذ كل طائفة عداها إنما عملت بشطر من هذه الآية وضيعت الشطر الآخر.

فالمشبهة: أحسنوا إذ أثبتوا فلم ينفوا الصفات، وأساؤوا إذ شبهوا ومثلوا.

والنفاة: أحسنوا إذ نزهوا الله عن مشابهة خلقه، وأساؤوا إذ نفوا عن الله ما أثبته لنفسه.

وأهل السنة والجماعة جمعوا بين الحسنيين وسلموا من الإساءتين، فالإحسان الذي عند الطرفين عندهم، وليس عندهم ما عند كل من الإساءة، وذلك أنهم يثبتون لله ما أثبته لنفسه من الصفات، وينفون عنه مماثلة المخلوقات، يثبتون له صفات الكمال، وينفون عنه ضروب الأمثال، ينزهونه عن النقص والتعطيل، وعن التشبيه والتمثيل، إثبات بلا تشبيه، وتنزيه بلا تعطيل (٢)، فمذهبهم إذاً بين التمثيل والتعطيل، دائر على الإثبات والتنزيه، فمثل هذا المذهب الحق بالنسبة إلى الطرفين المتقابلين كاللبن الخالص السائغ للشاربين الذي يخرج من بين فرث ودم (٣).


(١) مجرد الاتفاق في الاسم وفي المعنى الكلي الذهني المطلق فإنه لا يستلزم التمثيل عند الإضافة والتخصيص، ولو لزم ذلك للزم التمثيل بين كل الأشياء، وللزم تبعاً لذلك نفي أصل الوجود والشيئية عن الله.
ينظر: بيان تلبيس الجهمية (١/ ١٠٩، ٤٧٧).
(٢) ينظر منهاج السنة (٢/ ١١).
(٣) ينظر: عشرون حديثاً من صحيح مسلم، للشيخ عبد المحسن بن حمد العباد (ص ١٧٧ - ١٧٨).

<<  <   >  >>