للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الثاني: الانحراف المؤدي إلى الإفراط في الإيمان بالكتب.]

من جملة المخالفين لأهل السنة والجماعة في هذا الباب، أصحاب الغلو في الإيمان بالكتب، قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: " فلعسر الفرق والتمييز، يميل قوم إلى زيادة في الإثبات، وآخرون إلى زيادة في النفي" (١)، "وكلاهما خارج عن السنة والجماعة" (٢).

وقد لاحظ كثير من علماء السلف مدى تأثر بعض الفرق الإسلامية بعقائد اليهود والنصارى، فذكروا ما بينهم من تشابه كبير في كثير من الأمور (٣)، وهذا كله من قبيل الغلو في الإيمان بالكتب المحرفة، وتصديق قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لتتبعن سنن من كان قبلكم) (٤)، وإذا كانت المتابعة في القليل ذريعة ووسيلة إلى القبائح المحرمة، فكيف إذا أفضت إلى ما هو كفر بالله.

والإيمان بالكتب يقتضي العمل بما فيها من الأمر والنهي؛ لكنه إذا ثبت نسخ الإسلام للأديان السابقة؛ فإن ذلك يعني عدم جواز العمل بتلكم الكتب التي أنزلت من قبل، وهذه الكتب المنزلة الموجودة في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي هذا الزمن، شأنها لا يخلو من أمرين:

الأول: ما هو باطل، مما وضعته أيدي المحرفين، أو ليَّتهُ ألسنة الملحدين، فهذا لا شك أن القرآن قد أبطله من كل وجه، وأنه لا يمت إلى الله - عز وجل - بصلة؛ بل هو مضاد لما في القرآن؛ فهذا لا شك أنه باطل، وقد أخبر الله - عز وجل - في أكثر من آية أن أحبار السوء ورهبان الجهل غيروا هذه الكتب بأيديهم وألسنتهم، تحريفا لها وتأويلا فيها، قال الله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (٧٩)} البقرة: ٧٩، والباطل لا ينسب منه إلى الحق شيء.

الثاني: ما هو صحيح؛ فهذا يشهد له القرآن، ويؤكده، وهذا لا يعرف إلا بشهادة كتابنا له، فلا نحتاج إليه، ولهذا جاء في وصف القرآن الكريم قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا


(١) مجموع الفتاوى (١٢/ ٤٣١).
(٢) مجموع الفتاوى (٣/ ٤٠٤).
(٣) ينظر: بذل المجهود في إثبات مشابهة الرافضة لليهود، أ. د. إبراهيم الرحيلي (١/ ١٧) وما بعدها.
(٤) أخرجه البخاري كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب: "لتتبعن سنن من كان قبلكم" حديث رقم ٧٣٢٠، ومسلم، كتاب العلم، باب: اتباع سنن اليهود والنصارى حديث رقم ٦٧٢٣.

<<  <   >  >>