للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[١ - الإيمان بالقدر طريق للخلاص من الشرك]

زعم المجوس بأن النور خالق الخير، وأن الظلمة خالقة الشر، كما زعمت القدرية بأن الله لم يخلق أفعال العباد لا الخير ولا الشر، وهؤلاء جميعاً أثبتوا خالقين مع الله - عز وجل -، وهذا شرك.

قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: " اعلم أن أهل البدع من القدرية الجهمية والمجبرة والقدرية النافية لا يحمدون الله ولا يشكرونه، كما أنهم لا يعبدونه، وأما أهل الإلحاد من المتفلسفة والباطنية فهم أبعد عن حمده وشكره، وذلك أن المجبرة حقيقة قولهم أنه ليس برحيم ولا مُنعم، بل ولا إله يستحق أن يعبد ويُحب، بل صدور الإحسان عنه كصدور الإساءة، وإنما هو يفعل بمحض مشيئة ترجح الشيء على مثله لا لمرجِّح، وكل الممكنات عندهم متماثلة، فلا فرق بين أن يريد رحمة الخلق ونفعهم والإحسان إليهم، أو يريد فسادهم وهلاكهم وإضرارهم، يقولون: هذا كله عندهم سواء" (١).

ومنهج أهل السنة العام في باب القدر، هو: الإيمان بأن جميع الكائنات واقعة تحت قدر الله، محكومة بقدره، ليس لها من الأمر شيء، فلا تملك لنفسها -فضلا عن غيرها- جلب نفع أو دفع ضر، وأن الأمور كلها بيد الله، فهو المعطي المانع، لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه، فإذا آمن الإنسان بذلك وأيقن به انبعث إلى إفراد الله بالعبادة وتجنب الشرك بأنواعه، وأخلص الدين لله رب العالمين، ولم يخش إلا الله (٢).

كما أن من منهجهم الإيمان بالقدر خيره وشره، وذلك أن كل ما يكون فقد شاءه الله، وأن الطاعات والمعاصي كلها بقضاء الله وقدره، واعتبار الخير والشر بالنسبة للمقضي المقدر، وأما تقدير الله وقضاؤه فكله خيرٌ كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((والشر ليس إليك)) (٣)، وذلك أن القضاء والتقدير فعل الله، وأفعال الله - عز وجل - كلها خير وحكمة ليس فيها شر (٤).

قال ابن القيم - رحمه الله -: " الشر ليس إلى الرب تعالى بوجه من الوجوه، لا في ذاته ولا في أسمائه ولا في صفاته ولا في أفعاله وإنما يدخل الشر الجزئي الإضافي في المقضي


(١) جامع الرسائل (المجموعة الأولى) (١/ ١٠٣).
(٢) ينظر: الإيمان بالقضاء والقدر لمحمد الحمد (ص ١٣)، والقول المفيد على كتاب التوحيد لابن عثيمين (٣/ ١٥٩).
(٣) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، برقم (٧٧١).
(٤) ينظر: المسائل العقدية التي حكى فيها ابن تيمية الإجماع (ص ٨١١).

<<  <   >  >>