للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} غافر: ٦٢، ومن أدلة ذلك من السنة قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله يصنع كل صانع وصنعته) (١)، قال الإمام البخاري - رحمه الله -: " فأخبر أن الصناعات وأهلها مخلوقة" (٢).

والعباد فاعلون حقيقة، والله خالق أفعالهم، وللعباد قدرة على أعمالهم، ولهم إرادة والله خالقهم وخالق قدرتهم وإرادتهم، فأفعال العباد إذاً تسند إلى العباد فعلاً وتسند إلى الله خالقاً (٣)، كما قال تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٢٩)} التكوير: ٢٨ - ٢٩.

[وخالف في هذه المرتبة ثلاث طوائف]

١. الجبرية: قالوا إن العبد مجبور على فعله، فالله - عز وجل - هو الفاعل لفعل العبد، كما أنه هو الخالق له، فلا فعل ولا علم لأحدٍ غير الله تعالى، وإنما تنسب الأعمال إلى المخلوقين على المجاز، كما يقال: زالت الشمس ودارت الرحى من غير أن يكون فاعلين أو مستطيعين لذلك (٤).

٢. المعتزلة: نفوا تعلق أعمال العباد بالله - عز وجل - وأنكروا أن يكون الله خالقاً لها وأن تكون تحت مشيئته، وإنما يحدثها العبد استقلالاً (٥).

٣. الأشاعرة: أرادوا أن يوفقوا بين القولين السابقين فجاءوا بنظرية الكسب التي تكون في مآلها جبراً محضاً، فقالوا: للعبد قدرة حادثة غير مؤثرة في الفعل لامتناع اجتماع قدرتين مؤثرتين على أثر واحدٍ، وإنما أجرى الله العادة بخلق مقدروها مقارناً لها (٦).


(١) أخرجه البخاري في كتابه خلق أفعال العباد (ص ٧٣)، وابن منده في التوحيد (٢/ ٣٩)، ووصححه ابن حجر في فتح الباري (١٣/ ٥٠٧)، والحاكم في المستدرك (١/ ٣١) وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وقال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم (١٦٣٦): على شرط مسلم.
(٢) خلق أفعال العباد للبخاري (ص ٢٥).
(٣) ينظر: مجموع الفتاوى (٨/ ٤٥٩).
(٤) ينظر: الفرق بين الفرق (ص ١٩٤)، الملل والنحل (١/ ١١٠).
(٥) ينظر: شرح الأصول الخمسة للقاضي (ص ٣٣٢).
(٦) ينظر: شفاء العليل (ص ٩٢)، المواقف للإيجي (ص ٣١٢).

<<  <   >  >>