للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لذا فالوسطية بقدر ما هي تثبيت للثوابت وانطلاق من المرجعية، فهي تجديد متواصل في مختلف مظاهر حياتنا الثقافية والفكرية، على اعتبار أن لكل جيل كسبه وتجربته التاريخية الخاصة {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٣٤)} البقرة: ١٣٤ (١).

فالشمول الذي يجعل الإسلام مهيمنا على الحياة كلها بأنظمتها وأنشطتها المختلفة، وبأعمال الإنسان المتنوعة، لا يشذ عن الدين أبداً، قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٦٢)} الأنعام: ١٦٢.

وقال الحق -جل وعلا-: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} الأنعام: ٣٨، ليدُلنا على أن الإسلام دين شامل لجميع نواحي الحياة، سواء تعلق الأمر بالإنسان في علاقته بربه (فقه العبادات) أم بالإنسان مع بني جنسه (فقه المعاملات)؛ فرسالة الإسلام شاملة في تعاليمها، شاملة في عقيدتها، شاملة في معاملاتها وعباداتها، شاملة في أخلاقها وآدابها.

المعلم السادس: وضوح (٢) الأصول الاعتقادية:

من أهم وأبرز معالم الوسطية، وضوحُ أصولها الاعتقادية (٣)؛ التي استمدتها من المصادر الربانية المتقنة غاية الإتقان، والصالحة لكل زمان ومكان؛ وهي مع وضوح أصولها الاعتقادية

واضحة الأهداف والغايات والتشريعات والآداب والمناهج والطرق (٤)، فكانت بحق منطلقاً لغيرها من الأعمال (٥)، وعلامة بارزة على الوسطية الحقة.


(١) ترك القرآن الكريم الحديث عن الوسائل المتجددة للحياة العامة للاجتهاد المطلق، يتصرف الناس في رسمها كما يلوح لهم حيناً بعد حين. بينما ترى الحياة العامة في القرآن الكريم متناولة بأدق بيان وأحكم ميزان، وأن الإسلام تناولها من الناحية الثابتة التي لا يعروها تغير على اختلاف الزمان.
ينظر: نظرات في القرآن، لمحمد الغزالي (ص ٦٩)، مؤتمر الوسطية مختارات من فكر الوسطية، الوسطية منهج استراتيجي للأمة، المهندس مروان الفاعوري (ص ١٧).
(٢) الوضوح: يعني وضوح أصول الإسلام وقواعده ودعائمه الكبرى وعباداته ومعاملاته.
(٣) وضوح الأصول الاعتقادية: أي الفهم والثقة واليقين التام بثوابت الشريعة المستمدة من القرآن والسنة، كتوحيد الله عز وجل، والإيمان بالرسل والرسالات المنزلة عليهم، والجزاء الأخروي ... ووضوح الشعائر التعبدية.
(٤) الرسالات السماوية السابقة امتداد أم تقاطع - للدكتور رشيد كهوس - البحث لمشاركة بمهرجان ربيع الرسالة الثقافي العالمي السابع.
(٥) ينظر: بحوث ندوة أثر القرآن في تحقيق الوسطية ودفع الغلو، المحور الأول: مظاهر الوسطية في الإسلام د. سليمان بن إبراهيم العايد (ص ٥٥).

<<  <   >  >>