للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنكى، ولئلا يتطاول الناس، وجعل عقاب المحكوم إلى خلقه لئلا يتجرؤوا على ولاتهم، وبهذا تستقيم وتستقر الأوضاع.

وقد أُتي المسلمون من خلل في هذا الجانب، والإعراض عن ضوابطه الشرعية بمصائب كثيرة ابتداء من فتنة الدار إلى عصرنا الحاضر.

ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل يبني الإسلام علاقة متوازنة بين المسلمين وغيرهم من حيث الحقوق والواجبات، فالوسطية عدل في المواقف مهما تكن درجة الاختلاف مع الآخرين؛ إذ البشرية كلها فريقان {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} التغابن: ٢، فلا يجوز ظلم الكافر وسلب حقوقه، بل لهم حقوق شرعت، وطرائق في معاملتهم سنت، قال تعالى: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} المائدة: ٨ (١).

على أنه من المهم أن نعلم أن الوسطية محلها في رضا الله، لا في اجتماع الأطراف والتيارات عليها، من أجل ذلك فلن يسلم أصحاب الوسطية من نقد الجميع {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى} البقرة: ١٢٠؛ فالمنسلخ بقدر بعده عن الوسطية يصف المتوسط بالغلو، والغالي بقدر بعده عن الوسطية يصف المتوسط بالانسلاخ، فالوسطية لا يراها بدقة من كان بعيداً عنها (٢).

- مظاهر الوسطية في الجانب التشريعي:

الجانب التشريعي في الإسلام يتضمن الأحكام الفرعية التي تنظم حياة الناس اليومية في علاقاتهم الاجتماعية، وفي أحوالهم السياسية والاقتصادية.

وهذه الأحكام التشريعية قد تكفلت كتب الفقه الإسلامي بتفصيلاتها وبيان مسائلها، وما يجوز وما لا يجوز في ضوء الكتاب والسنة.


(١) ينظر: بحوث ندوة أثر القرآن في تحقيق الوسطية ودفع الغلو، المحور الأول: مظاهر الوسطية في الإسلام د. سليمان بن إبراهيم العايد (ص ٥١).
(٢) ينظر: أسطر من النقل والعقل والفكر (ص ٢٤٤).

<<  <   >  >>