للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال تعالى: {وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٩٤)} النحل: ٩٤؛ وفي هذه الآيات تهديد ووعيد لمن ترك الحق إلى الباطل، والهدى إلى الضلال؛ أكد -سبحانه وتعالى- هذا التحذير بقوله: {وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩٥)} النحل: ٩٥ (١).

[٦ - إضلال الناس وتلبيس الحق بالباطل]

ومن آثارها: أن المبتدعة لا يقتصر ضلالهم على أنفسهم، وإنما يشيعونه بين الناس، ويدعون إليه قولاً وعملاً، بالحجة الباطلة والتأويل الزائغ والهوى المتسلط، فيتحملون إثمهم وإثم من عمل بهذه البدعة إلى يوم القيامة، قال تعالى: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} النحل: ٢٥.

ومما يزيد البدع المتقابلة خطورة، ويجعلها أكثر ضرراً وتأثيراً- أن أهل البدع يعملون على تزيين بدعتهم للناس، ويضيفون عليها صفة الشرعية، فيجعلون بدعتهم في صورة طاعة، فيتصيدون بذلك الجهال وأشباههم (٢)؛ لأن أهل البدع المتقابلة يحرص كل منهم على جمع الجماعات، والسير بهم في بدعته بغير فهم، فأول ما يظهر أهل البدع يكونون أفراداً، ثم بعد ذلك يتجمع الناس حولهم مفتونين بهم، مدافعين عن ضلالهم، مشيعين ذلك بين الناس، وليس ثمة دليل لديهم إلا اتباع الظن وما تهوى الأنفس، وتقليد أئمتهم المبتدعة (٣).

ومن أساليب إضلالهم: ما قاله ابن عمر - رضي الله عنه - في الخوارج، بأنهم: " انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين" (٤). وهذا منهج كثير من أهل البدع المتقابلة وغير المتقابلة.

وكذلك فإنهم ينسبون مقالتهم إلى من هو جليل القدر عند الناس، ليخدع بذلك الجهال وضعاف العقول؛ ويدخل في هذا مسألة دعوى الإجماع الباطلة: فلا شك أن لدعوى الإجماع أثرا كبيرا في ترويج البدع عند الناس، وخاصة العامة منهم؛ لأنهم بتلبيس هؤلاء المبتدعة ودعواهم الإجماع،


(١) ينظر: تيسير التفسير للقطان (٢/ ٣٣٠).
(٢) ينظر: الصواعق المرسلة لابن القيم (٢/ ٤٣٦).
(٣) ينظر: البدع الحولية للتويجري (ص ٧٩).
(٤) أخرجه البخاري في الصحيح كتاب استتابة المرتدين باب الفتح (١٢/ ٢٨٢).

<<  <   >  >>