للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[٨ - تبديل الشريعة]

ومما يحسن التنبيه عليه من آثار البدع المتقابلة الضارة: أن ظهورها وانتشارها يعد ضرباً من تبديل الشريعة بسبب طول الزمان واندراس الحق، ويعرف هذا في أصناف ثلاثة: الصغار حينما ينشأون على البدعة ويكبرون عليها، والكفار إذا أسلموا عليها، والأعراب وأهل البادية إذا تعلَّموها وحملوها معهم (١).

لأن اعتقاد الأمر على خلاف ما هو عليه، والعمل به على هذا الحد نحوٌ من تبديل الشريعة، والخروج على أحكامها، فاعتقاد العوام ومن لا علم عنده ما ليس بفريضة فريضة، أو ما ليس بسنة سنة، أو ما ليس بمشروع أنه مشروع، فساد عظيم أورثته البدع بشكل عام والبدع المتقابلة بشكل خاص.

فإن كل فرقة من الفرق - لاعتقادها أنها على الحق، وغيرها على الباطل- تنكر السنن التي تقول بها الفرق الأخرى وتحاربها، ولا تنفك هي - في الوقت نفسه- عن الإغراق في الابتداع والتفرق، حتى يؤول الأمر ببعض الفرق إلى الانسلاخ من الدين -والعياذ بالله- (٢).

وهنا حقيقة مهمة كان لها أثرها البالغ في تبديل الشرائع العملية للدين، ومن أظهر الأدلة على ذلك أن الإرجاء لم يكن -في الأصل-دعوة واعية مقصودة لترك العمل والتفلت من الطاعات، وإنما كان تفسيراً ضالاً لحقيقة الإيمان أنتجته البدع المتقابلة، ولكن مع طول الزمان أصبح شعاراً لترك العمل والتفلت من الطاعات.

[٩ - التناقض]

تجد أهل البدع المتقابلة حيارى متناقضين، وهذه هي طبيعة الباطل، فإنه مختلف متناقض (٣)؛ لأن أصحابه لما خرجوا عن صريح المعقول، وصحيح المنقول، صار في أقوالهم من التناقض والفساد ما لا يعلمه إلا رب العباد، مع دعواهم أنهم أصحاب البراهين العقلية، والمعارف الحكمية، وأن العلوم الحقيقية فيما يقولونه، لا فيما جاءت به رسل الله الذين هم أفضل الخليقة، وأعلمهم بالحقيقة (٤).


(١) قواعد معرفة البدع للجيزاني (ص ٢٥)
(٢) ينظر: المباحث العقدية في حديث افتراق الأمم لأحمد سردار (٢/ ٧٩٥).
(٣) ينظر: الجواب الصحيح (٤/ ٣٩٥).
(٤) ينظر: منهاج السنة (١/ ٢٩٥).

<<  <   >  >>