قال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (١)} الكهف: ١. جمع الله تعالى في هذه الآية لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - بين صفتي الرسالة والعبودية، فكانت هذه الآية رادة على بدعتين متقابلتين، وبيان ذلك فيما يلي:
- أولاً: بيان وجه رد الآية على بدعة التفريط.
أتت هذه الآية للرد على من جفا في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يعرف منزلته ولا قدره ولا حقوقه، فعامله كسائر البشر، فلم يرفع بهديه رأساً، كما هو حال كثير من الفلاسفة والملاحدة والعلمانيين والعصرانيين والماديين وغيرهم، فبين الله - عز وجل - أنه فضله على كثير ممن خلق بالنبوة فأوحى إليه وأنزل إليه الكتاب، قال تعالى:{الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ}، ونظائر هذه الآية في الكتاب والسنة كثير.
- ثانياً: بيان وجه رد الآية على بدعة الإفراط.
كما أن هذه الآية رادة على المفْرِطة، التي رفعت النبي - صلى الله عليه وسلم - فوق منزلته، فجعلته في مرتبة الربوبية والألوهية -فوق مرتبة العبودية-، كما يفعل كثير من أهل البدع من الصوفية والقبورية وغيرهم، حتى صار عندها إلها وربا مسؤولاً، فأتت هذه الآية لتبدد هذا المعتقد الفاسد فوصفته بالعبودية، عند قول الله تعالى:{أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ}.
- ثالثاً: المأخذ الذي انطلقت منه هاتان الطائفتان.
المأخذ الذي انطلقت منه هاتان الطائفتان هو: انحرافهم في الإيمان بالكتاب "القرآن الكريم".
فأقام الجفاة معتقدهم على: تعظيم العقل وتقديسه وتقديمه على الشرع، فلم يقدروا للنبي - صلى الله عليه وسلم - قدره، إذ لم يلتزموا بأوامر الشرع التي جاء بها، بل رأوها مخالفة للمعقول.
بينما أقام الغلاة معتقدهم على: فهم الكتاب بطريقتهم الخاصة، بعيدا عن الالتزام بحدود الشرع المنزل، فصرفوا أنواعاً من العبادة للرسول - صلى الله عليه وسلم -، وتجاهلوا ما جاءت به نصوص