للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[تمهيد في تعريف توحيد الأسماء والصفات]

توحيد الأسماء والصفات من أجل العلوم والمعارف (١)؛ لأن من عرف الله بأسمائه وصفاته حق المعرفة، تجلى في سلوكه وتعاملاته: الانصياع والخضوع لصاحب تلك الأسماء الكاملة والصفات العالية، وأورثه ذلك التعبد لله بالعبادات التي تليق بجلاله وكبريائه وعظمته.

ومن لم يعرف الله بأسمائه وصفاته التي تليق به، فكيف يعبده، ويحبه، ويعظمه، ويخضع له؟ ! بل كيف يعبد إلهاً يجهله؟ ! .

لذا فإن توحيد الأسماء والصفات لا ينفك بحال عن توحيد الربوبية والألوهية -السابق ذكرهما-، بل إنه شامل للهما معاً، فالإيمان بالله - عز وجل - يتضمَّن الإيمان بصفاته، فلا يستقيم توحيد الله في ربوبيته وألوهيته بدون توحيد الله في أسمائه وصفاته، والخلل والانحراف في أي نوع منها هو خلل في التوحيد كله.

ولهذا سمَّى السَّلف كتُبَهم التي صنَّفوها في السنَّة، وفي إثبات صفات الرَّبِّ وعلوّه على خلقه، وكلامه وتكليمه: توحيدًا؛ لأنَّ نفي ذلك وإنكاره والكفْر به إنكار للصَّانع، وجحد له، وإنَّما توحيده: إثبات صفات كماله، وتنزيهه عن التَّشبيه والنَّقائص (٢).

ويلحظ التالي لآيات القرآن الكريم كثرة ذكر أسماء الله وصفاته، بل لا تكاد تخلو آيةٌ من آياته من صفة لله - سبحانه - أو اسم من أسمائِه الحسنى؛ وما ذلك إلا "لأنَّ القرآن المجيد عُمْدته ومقصوده الإخْبار عن صفات الرَّبِّ - سبحانه - وأسمائه وأفعاله وأنواع حمدِه والثَّناء عليه، والإنباء عن عظمتِه وعزَّته وحكمتِه، وأنواع صنعه والتقدُّم إلى عباده بأمرِه ونَهْيه على ألسِنة رسله" (٣)، "فالقُرآن من أوَّل {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (١)} الفاتحة: ١، إلى {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (٦)} الناس: ٦، كلّه بيان لصفات الله - سبحانه وتعالى" (٤).


(١) العلم بأسماء الله وصفاته أشرف العلوم، وأنبل الغايات؛ لأن شرف العلم بشرف المعلوم، والباري أشرف المعلومات، فالعلم بأسمائه أشرف العلوم.
(٢) ينظر: مدارج السَّالكين (١/ ٢٥).
(٣) طريق الهجرتين (ص ٢٣٣).
(٤) طريق الهجرتين (ص ٢١١).

<<  <   >  >>