للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الثاني: الانحراف المؤدي إلى الإفراط في الإيمان باليوم الآخر.]

بالرغم من أن الغالبية العظمى تقف من اليوم الآخر موقف التفريط، إلا أنه يوجد من سلك جانب الإفراط، مخالفين بذلك ما عليه أهل السنة والجماعة.

وبالنظر إلى سبب هذا الإفراط في الإيمان باليوم الآخر، نجد أنه ينطلق من إيمانهم باليوم الآخر على غير الصفة التي جاءت بها الشرائع، ومن ذلك:

o الاستحقاق والمعاوضة:

أوجبت القدرية على الله - عز وجل - إدخال المؤمن الجنة عن طريق الاستحقاق والمعاوضة، وأن يدخل العاصي النار ويخلد فيها، ولازم قولهم وصف الله تعالى بالظلم تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً (١).

o الزلفى عند الله في الآخرة:

وقد تتابع ادعاؤها من قبل اليهود (٢)، والنصارى (٣)، وبعض مشركي العرب (٤)، ولما كان قولهم هذا فيه ادعاء لعلم لا قدرة لبشر على معرفته، كذب القرآن هذه الدعوى، ورد عليها بطريقة عقلية منطقية، وعلمية إيمانية (٥).


(١) ينظر: الفرق بين الفرق (ص ٩٥)، والصواعق المرسلة (٢/ ٤٧٥ - ٤٨٠)، تناقض أهل الأهواء والبدع في العقيدة (١/ ٣٥٧).
(٢) من الملفت للنظر أن اليهود حتى في فترات إيمانهم باليوم الآخر والجنة والنار والحساب والعقاب لم يكن هذا الإيمان سالماً عند أكثرهم، بل كان مشوهاً ومنحرفاً حيث ظنوا أن الجنة لن يدخلها إلا اليهود، وأن النار لن تمسهم إلا أياماً معدودات، وأما غيرهم من البشر فمصيره النار، كما حكى الله عنهم وكشف انحرافهم في قوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٨٠) بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٨١)} البقرة: ٨٠ - ٨١.
(٣) ذكر الله عنهم أنهم قالوا: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤)} آل عمران: ٢٤.
(٤) عن مسروق، قال: سمعت خباباً، قال: جئت العاصي بن وائل السهمي أتقاضاه حقاً لي عنده فقال: لا أعطيك حتى تكفر بمحمد، فقلت: لا؛ حتى تموت ثم تبعث، قال: وإني لميت ثم مبعوث؟ قلت: نعم، قال: إن لي هناك مالاً وولداً فأقضيكه، فنزل قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (٧٧)} مريم: ٧٧.

أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (٧٧)}، برقم (٤٤٥٥)، ومسلم في كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب سؤال اليهود النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الروح، برقم (٢٧٩٥).
(٥) ينظر: المقولات التي أبطلها القرآن ومنهجه في إبطالها (ص ٣٤١) وما بعدها.

<<  <   >  >>