للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن القدرية والوعيدية قد غلوا حتى جعلوا السيئات مُزيلة للإيمان بالكلية، وجعلوا الحسنات من أفعال العباد؛ لأنهم توصلوا إلى أن المعاصي لا يريدها الله تعالى ولا يحبها، وبالتالي فلم يأمر بها ولا إرادة له في وقوعها، وإلا لكان مريداً للمعاصي، وبالتالي فلا يعاقِب عليها حسب زعمهم.

فكلاهما ضل في توحيد العبادة فمنهم من فرط فيها عما أراده الله، ومنهم من غلا فيها فأقامها على ما لم يأذن به الله.

من أجل هذا كان المأخذ الذي انطلقت منه هاتان الطائفتان هو فهمهم الخاطئ الذي يعود إلى عدم تفريقهم بين الإرادتين الكونية والشرعية -فضلوا بسبب هذا في توحيد الألوهية- فيعتقدون أن كل ما أراده الله فقد أحبه، ذلك أن الإرادة إما أن تكون كونية وهي الإرادة العامة لجميع الموجودات ودليلها قوله - عز وجل -: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (٢٥٣)} البقرة: ٢٥٣، وإما أن تكون الإرادة شرعية وهي التي تتعلق بمحبة الله تعالى ورضاه عن الشيء كقوله تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} النساء: ٢٧ (١).

وأهل السنة يؤمنون أن الإرادة الكونية هي التي تعلقت بكل شيء حتى معصية العاصي فلا يلزم منها التفرقة بين ما يحبه الله وما لا يحبه. أما الإرادة الشرعية فهي التي تعلقت بمحبته ورضاه فهو وإن كان قدَّر وقوع الشر كوناً لكنه في الإرادة الشرعية لم يرضه ولم يحبه فهو لا يحب الظالمين ولا الفاسقين ولا العاصين (٢).

- رابعا: أثر اجتماع الرد على البدع المتقابلة في موطن واحد:

أتت هذه الآية الكريمة للدلالة على أن المذهب الحق ليس ما ذهب إليه أصحاب البدع المتقابلة، بل هو ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة، "فعقيدة أهل السنة أصح مباني وأوضح معاني، وحسبك أنها جامعة لمحاسن العقائد" (٣)؛ لذلك فإقامة توحيد الألوهية كما أمر الله به من أعظم الحسنات وأجل القربات، كما أن الشرك من أعظم الذنوب وأقبح السيئات.


(١) ينظر: فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام وبيان موقف الإسلام منها، للعواجي (١/ ١٨٨)، وسطية أهل السنة بين الفرق (ص ٣٨٤).
(٢) ينظر: وسطية أهل السنة بين الفرق (ص ٣٨٦).
(٣) الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم، لمحمد بن إبراهيم الوزير، تحقيق: علي العمران (٢/ ٥٢٢).

<<  <   >  >>