للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

معيار (١) تحديد الوسطية:

المعيار الذي يحقق الوسطية هو الشرع (٢)

وليس الهوى والذوق (٣)؛ فالخروج عن الوسطية يكون بركوب سبيل الانحراف والتقصير، أو الغلو والإفراط، وهذا الانحراف تارة يكون يسيراً، وتارة يكون شديداً، وبين ذلك مراتب متفاوتة لا يحصيها إلا الله تعالى (٤).

وقد قرر العلماء أن الحق واسطة (٥) بين التفريط والإفراط، وهو معنى قول مطرف ابن عبدالله (٦): "الحسنة بين السيئتين" (٧).


(١) المعيار لغة: هو ما تخذ أساسا للمقارنة والتقدير. واصطلاحاً: هو نموذج متحقق أو متصور لما ينبغي أن يكون عليه الشيء.
ينظر: المعجم الوسيط د/ إبراهيم مدكور وآخرون (١/ ٣٧٥) مادة "عَيَرَ".
(٢) نظراً لأن وسطية الإسلام شاملة لكل مناحي منهجنا الإسلامي (عقيدة، وشريعة، وأخلاقاً، ومعاملات) فإن الأطر المرجعية لها "المعايير" هي نصوص الكتاب والسنة، ويندرج تحتهما باقي الأدلة المعتبرة عند علماء الفقه وأصوله وهي: الإجماع، والقياس، والمصلحة المعتبرة، وقول الصحابي، والعرف ... وغير ذلك.

ينظر: طرق معرفة الوسطية الشرعية، د. غازي العتيبي مجلة الأصول والنوازل (ص ٤٣).
(٣) ومن المصطلحات التي كثر طرقها في وسائل الإعلام بجميع أنواعها من مرئي ومسموع ومقروء: مصطلح "الوسطية"، فهذا المصطلح أصبح ثوبا يقبل التغير عند كثيرين، إن شاؤوا وسعوه وإن شاؤوا ضيقوه، يلبسونه من شاؤوا متى شاؤوا كيف شاؤوا، ويصدر هؤلاء كلامهم ومقالاتهم بالآية التي نصت على ذكر الوسط؛ وهي قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا} [البقرة: ١٤٣].
ويزعمون أن الوسطية تستدعي قبول الآراء والاختلافات ولو كانت في أصول الدين، ولو كانت تصادم النصوص الصريحة؛ ففتحوا بذلك أبواب البدع والمحدثات، بل ويسمون من حذر من البدع ومنع من إفساح المجال لهم بالرجعية والتطرف والغلو.
ينظر: الوسطية بين الواقع والوهم للشيخ الدكتور عبدالعزيز بن محمد السدحان، موقع الألوكة؛ والوسطية بين دلالات النصوص وأقوال العلماء، للشيخ أحمد بن حسن المعلم، موقع الألوكة.
(٤) ينظر: منهج الوسطية في التشريع الإسلامي وأثره في الوقاية من ظاهرة الغلو والتكفير، د. نور الدين بو حمزة (٥٨٩٨) المنشور في السجل العلمي لمؤتمر ظاهرة التكفير المجلد التاسع.
(٥) الوسطية ليست وسطاً بين رذيلتين مطلقاً؛ وإن كان في الغالب أنه يوجد في كل قضية طرفان مذمومان بينهما وسط ممدوح، إلا أن ذلك ليس بحتم لازم، فلا يلزم لكل ما يعتبر وسطاً في الاصطلاح أن يكون له طرفان، فالصدق مثلا يقابله الكذب، ومثله العدل يقابله الظلم، وليس أي منهما وسطاً بين رذيلتين! .

ينظر: الوسطية في الإسلام (ص ٢٩)، والفتوى وأثرها في حماية المعتقد وتحقيق الوسطية (ص ٢٠٨).
(٦) هو الإمام الحجة أبو عبد الله مطرف بن عبد الله الحرشي العامري البصري، من ثقات التابعين، كان صاحب فضل وأدب، اشتهر بالورع والزهد، توفي سنة ٨٦ هـ.
ينظر: سير أعلام النبلاء (٤/ ١٨٧).
(٧) ينظر: عيون الأخبار لابن قتيبة (١/ ١٣٨)، وغريب الحديث لابن سلام (٢/ ٢٨)، ومجموعة رسائل ابن رجب الحنبلي، جمع: أبو عادل العزازي (ص ١٣٣).

<<  <   >  >>