(٢) لم يرد في التوراة ولا في الإنجيل حديث عن والوسطية بالمفهوم الذي يقدمه قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا}، وهذا يؤكد أن الوسطية مفهوم إسلامي يتعلق بالأمة الإسلامية وحدها دون غيرها من الأمم، وهي تسيطر على منهج التفكير الإسلامي كله حيث تشمل العقائد والأخلاق والتشريع، ومن هنا وازن العلماء في كل ذلك بين العقل والنقل. ينظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (١/ ٤٨٢)، والوسطية العربية، مذاهب وتطبيق، د. عبد الحميد إبراهيم (المقدمة). (٣) لا يلزم أن كل ما يقع وسطاً في الاصطلاح أن يكون صحيحا ممدوحاً، فإن تحديد الفضيلة والرذيلة هو إلى الله عز وجل، وذلك جار على مقتضى العدل، وليس الأمر متروكاً للبشر، فلا تكون الوسطية ممدوحةً إلا بالجعل الإلهي {وكذلك جعلناكم أمة وسطا}، كذلك تحديد الوسط أمر نسبي يختلق باختلاف الأشخاص ولذلك قال ابن سيناء: " ليس وسط الشيء عينه، بل الوسط بالنسبة إلينا".
ينظر: الفضائل الأخلاقية، د. أحمد عبد الرحمن إبراهيم (ص ٢٧٢). (٤) والوسط بحسب اجتهاد البشر ليس بالضرورة أن يكون حقاً أو خيراً، فقد يكون الوسط مذموماً منهياً عنه؛ بل قد يرى الناظر -في بادي الرأي- قولاً أو موقفاً وسطاً بين باطلين، ومع ذلك لا يكون خيراً؛ بل قد يكون باطلاً مثلهما، ومثاله: أن المعتزلة قد توسطوا - بحسب اجتهادهم- بين طرفين، في باب الأسماء؛ بين الخوارج القائلين بتكفير مرتكب الكبيرة، وبين المرجئة القائلين بأن أهل الكبائر كاملوا الإيمان، فذهب المعتزلة إلى مرتبة بين المرتبتين فقالت: إن مرتكب الكبيرة فاسق خرج من الإيمان ولم يدخل الكفر، فوسطية هذا المذهب هنا، ليست هي الحق في هذا الباب؛ لأنها تخالف القول الوسط نفسه الذي بمعنى (الخيرية والعدل) الذي دلت عليه النصوص والتي لا تدل دائما إلا على الوسط قولاً واعتقاداً وتوجهاً. وكذلك وسط المنافقين الذين سلكوا منهج التذبذب بين الإيمان والكفر، ومن أجل هذا استحقوا الدرك الأسفل من النار. فأكبر خطأ الباحثين عن الوسطية بحثهم عنها بين تيارات الطوائف وليس بين الأدلة. ينظر: الفتوى وأثرها في حماية المعتقد وتحقيق الوسطية، د. فهد بن سعد الجهني (ص ٢٠٨)، والوسط ومظاهر الوسطية في القرآن الكريم، د. الحسن بن خلوي الموكلي (ص ٩٥). (٥) ينظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير (٥/ ١٨٤)، والوسطية في الإسلام تعريف وتطبيق د. زيد الزيد (ص ١٩ - ٢١).