للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعلى اتصافه بما تضمنته تلك الأفعال من صفات، هذا سوى ما دلت عليه صفتا السمع والبصر من سماعه تعالى للأصوات الحادثة، وإبصاره للمخلوقات الحادثة (١).

٥ - اتفق سلف الأمة وأئمتها: أن الله ليس كمثله شيء، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، وقال من قال من الأئمة، من شبه الله بخلقه فقد كفر، فكيف من جعله عين المخلوقات، وجعله نفس الأجسام المصنوعات؟ فتعالى الله عن ذلك علوا كبيراً (٢).

فصارت هذه الآية بعينها مبطلة لأقوال جميع طوائف المعطلة.

- ثانياً: بيان وجه رد الآية على بدعة الإفراط.

كما أن هذه الآية أيضاً قد تضمنت الرد على بدعة الإفراط، فقد استظهر بعض أهل العلم معنى لطيفاً في ختم هذه الآية بالاسمين الكريمين (السميع) و (البصير)، ألا وهو: أن السمع والبصر -من حيث هما سمع وبصر- صفتان يتصف بهما جميع الحيوانات، فجاءت هذه الآية مبينة أن الله متصف بالسمع والبصر، ولكن وصفه بهما على أساس نفي المماثلة بين اتصافه تعالى بهما وبين اتصاف الخلق بهما، فكأنها إشارة للخلق ألا ينفوا عن الله صفة سمعه وبصره بدعوى: " أن الحوادث تسمع وتبصر، وأن ذلك من التشبيه"، بل عليهم أن يثبتوا له صفة سمعه وبصره على أساس: { ... ليس كمثله شيء}، فالله - عز وجل - له صفات لائقة بكماله وجلاله، والمخلوقات لهم صفات مناسبة لحالهم (٣).

فتبين بهذا أن هذه الآية الكريمة العظيمة قد دلت على إثبات جميع الصفات لله، مع تنزيهه عن كل نقص أو مثيل، وأنها قد قطعت علائق أهل البدع والإلحاد على اختلاف طوائفهم وتنوع مشاربهم في تعلقهم بها على قولهم الباطل، وتمويههم بها على الغمر الجاهل، وأنها تنقلب على جميع الفرق المخالفة، من ممثلة ومعطلة.


(١) ينظر لما سبق: قلب الأدلة على الطوائف المضلة في توحيد الربوبية والأسماء والصفات (ص ٧٨٧ - ٧٩٠).
(٢) ينظر مجموع الفتاوى (٢/ ١٤٠).
(٣) ينظر: أضواء البيان (٢/ ١٩)، الأسماء والصفات نقلاً وعقلاً (ص ٩)، كلاهما للشنقيطي.

<<  <   >  >>