للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في بيان فساد سلوك المخالفين، وفيما يلي بعض الآيات الرادة على البدع المتقابلة في هذا الباب:

الآية الأولى:

قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٣٢)} فاطر: ٣٢، هذه الآية تردُ على بدعتين متقابلتين، وبيان ذلك فيما يلي:

- أولاً: بيان وجه رد الآية على بدعة التفريط.

الآية قسمت أهل الإيمان من جهة أقدارهم في التدين إلى ثلاثة مراتب: الظالم لنفسه، والمقتصد، والسابق للخيرات، وكل مرتبة من هذه المراتب يتفاوت أهلها فيها تفاوتاً عظيماً. بل إن المؤمن تختلف أحواله من حيث ديمومة تذكره، وخشيته، واستمراره على قدم الطاعة والاستقامة.

فدل هذا على أن الإيمان ليس لزيادته حد، وليس لنقصه حد كذلك، وبذا يعلم بطلان من ناط الزيادة والنقص بالأعمال فقط، فأوقع الزيادة والنقص فيها ومنع من وقوعها في أصل الإيمان وهو التصديق كما هو مذهب المرجئة (١)، فأخرجوا العمل من مسمى الإيمان، فأتت هذه الآية لتبرهن على بطلان ما اعتقدوه.

كما أن في قوله تعالى: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ}، رد على غالية المرجئة ممن ينكرون العقاب بالكلية، أو ينكرون الوعيد في الآخرة رأساً (٢)؛ لأن تقسيم العباد على هذه الدرجات دليل على أن الله - عز وجل - سيحاسبهم على أفعالهم، وسيجازيهم بما يستحقونه، فدل هذا على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان.


(١) ينظر: الإيمان لأبي عبيد (ص ٦٤ - ٦٦)، ومجموع الفتاوى (٧/ ٢٢٣ - ٢٣٠، ٥٦٢ - ٥٧٤)، شرح العقيد الطحاوية (٢/ ٤٧٩).
(٢) ينظر: حقيقة التوحيد بين أهل السنة والمتكلمين، د. عبد الرحيم السلمي (ص ٤٩٨) وما بعدها، الليبرالية في العالم الإسلامي (ص ٣٤٥ - ٣٤٦).

<<  <   >  >>