للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القضاء، وأمّا إذا اجتمعا فالمراد بالقضاء ما يقضيه الله تعالى في خلقه من إيجاد أو إعدام أو تغيير، والمراد بالقدر ما قدّره الله تعالى في الأزل، فالقدر سابق والقضاء لاحق (١).

والمختار والله أعلم أن المراد بالقضاء والقدر في الشرع، هو:

علم الله بالأشياء قبل كونها، وكتابته لها في اللوح المحفوظ، ومشيئته سبحانه لوقوعها، وخلقه - رضي الله عنه - لها على ما سبق به علمه وكتابته ومشيئته (٢).

ويتبين مما سبق ما بين المعنى اللغوي لكل من القضاء والقدر والمعنى الشرعي من ربط قوي، فكل منهما يأتي بمعنى الآخر، ومعاني القضاء ترجع إلى إحكام الأمر وإتقانه وإنفاذه، كما أن معاني القدر ترجع إلى التقدير، والله سبحانه وتعالى قدر مقادير الخلق، فعلمها وكتبها وشاءها وخلقها، وهي مقتضية ومقدرة فتقع حسب أقدارها (٣).

ثانياً: معنى الإيمان بالقضاء والقدر وما يتضمنه.

الإيمان بالقضاء والقدر: هو الإيمان بقدرة الله التامة والشاملة على خلقه، لذا دل الكتاب والسنة وإجماع السلف على أن الله - عز وجل - موصوف بالعلم أزلاً وأبداً لا يغيب عن علمه شيء، وأنه كتب كل ما هو كائنٌ إلى يوم القيامة، وأن مشيئته نافذة في كل شيء، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه خالقُ كل شيء لا خالق غيره ولا رب سواه، وقد اصطلح أهل العلم على تسمية هذه الأمور الأربعة - العلم والكتابة والمشيئة والخلق- بمراتب الإيمان بالقدر، لذلك كان مذهب السلف الصالح - رضي الله عنهم - في باب الإيمان بالقضاء والقدر يقوم على أربع مراتب تنتظم الإيمان بالقدر، هي:

المرتبة الأولى: العلم، وذلك بأن يؤمن المكلف بأن الله تعالى علم كل شيء جملة وتفصيلاً، وما كان وما يكون، فكل شيء علمه الله تعالى دقيقاً كان أو جليلاً، ولا يكون


(١) ينظر: الدرر السنية في الأجوبة النجدية لمجموعة من أئمة الدعوة النجدية (١٠/ ٥١٢ - ٥١٣)، فتاوى ابن عثيمين (١/ ٥٢، ٦٢).
(٢) ينظر: شرح السنة (١/ ١٤٢)، معالم السنن (٤/ ٢٩٧)، شرح صحيح مسلم (١/ ٢١٧)، جامع الرسائل (٢/ ٣٥٥)، مجموع الفتاوى (٣/ ١٤٨ - ١٤٩)، لوامع الأنوار البهية (١/ ٣٤٥، ٣٤٩)، فتاوى ابن عثيمين (٢/ ٧٩ - ٨١).
(٣) ينظر: القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة ومذهب الناس فيه (ص ٣٩).

<<  <   >  >>