للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- رابعا: أثر اجتماع الرد على البدع المتقابلة في موطن واحد:

أتت هذه الآية الكريمة للدلالة على أن المذهب الحق ليس ما ذهب إليه أصحاب البدع المتقابلة، بل هو ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة، فتوحيد الألوهية هو التوحيد العملي؛ أي توحيد الله بالعمل الباطن والظاهر، من أجل هذا فإن أركان العبادة لا بد أن تكون مجتمعة، وأن يكون بينها شيء من التوازن، فمن تعلق بواحد منها أو غلا فيه على حساب الآخر لم يكن عابدا لله تمام العبادة.

فعبادة الله بالحب فقط (١) طريقة الصوفية، وعبادته بالرجاء وحده (٢) طريقة المرجئة، وعبادته بالخوف وحده (٣) طريقة الخوارج والمعتزلة والجهمية وأشباههم، وعبادته بالحب والخوف والرجاء طريقة أهل السنة التي يجب أن يكون عليها الناس.

من أجل ذلك فلازم رد الآية على البدع المتقابلة وأنهم مخالفون لمنطوق القرآن وصريح السنة، هو في الحقيقة إبراز لمنهج أهل الحق وهو منهج أهل السنة والجماعة.

ولهذا قال السلف -رحمهم الله- كلمة مشهورة وهي: " مَنْ عبدَ الله بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبده بالخوف وحده فهو حروريٌ - أي: خارجي - ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عبده بالخوف والحب والرجاء فهو مؤمن موحِّد " (٤).

قال ابن القيم - رحمه الله -: " القلب في سيره إلى الله - عز وجل - بمنزلة الطائر؛ فالمحبة رأسه، والخوف، والرجاء جناحاه؛ فمتى سلم الرأس والجناحان فالطائر جيِّدُ الطيران، ومتى قطع الرأس مات الطائر، ومتى فقد الجناحان فهو عرضة لكل صائدٍ وكاسر" (٥).


(١) ومن آثاره الوخيمة، الأمن من مكر الله، وغايتُه الزندقةُ، والخروج من الدين.
(٢) ومن آثاره الوخيمة، الوقع في الغرور والتمني والرجاء الكاذب، وترك العملِ الصالحِ، وغايتُه الخروجُ من الملة.
(٣) ومن آثاره الوخيمة، أنهم لا يجدون للعبادة لذة، ولا إليها رغبة، فيجعلون الخالق بمنزلة سلطان جائر، وهذا يورث اليأس والقنوط من رحمة الله، وغايتُه إساءةُ الظن بالله، والكفر به -سبحانه -.
(٤) شرح السنة للبربهاري (٢/ ٣٧).
(٥) مدارج السالكين (١/ ٥١٣).

<<  <   >  >>