للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال إبراهيم النخعي في قوله تعالى: {وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} المائدة: ٦٤، قال: " هم أصحاب الأهواء" (١)؛ لأن كل طائفة أو فرقة منهم تعتقد أنها على الحق وغيرها على الباطل، وهذا ما نراه بين طوائف البدع المتقابلة.

فبدلا من أن يتجهوا إلى الطريق الحق والصراط المستقيم، ارتموا في أحضان الضلال وضاعوا في التيه، يعالجون الداء بالداء! يطفئون لهيب العطش بالرمضاء! فلا يزيدهم ذلك إلا رَهَقا! ولو رفعوا أبصارهم قليلاً إلى نصوص القرآن والسنة من دون تحريف ولا تعطيل لشاهدوا شلالات الحق تتدفق بالرحمة والوسطية!

ومن العجائبِ والعجائبُ جَمَّةٌ ... قربُ الدواءِ وما إليه وصولُ

كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ ... والماء فوق ظهورها محمول! (٢).

وفي قول الله تعالى: {قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ} آل عمران: ٧٣، ونحوها من الآيات، دلالة على أن من طلب الهدى والرشد من غير الكتاب والسنة ضل؛ لأن الهدى محصور في هدى الله الذي أرسل به رسوله - صلى الله عليه وسلم - (٣).

٩ - الجدل (٤):

من أسباب الوقوع في البدع المتقابلة: الجدل بغير حق، والخصومات في الدين، وقد حذر الله -سبحانه وتعالى- من ذلك بقوله -عز وجل-: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} آل عمران: ١٠٥. فقد نهى -سبحانه وتعالى- عن الفرقة والاختلاف، بعد مجيء البينات-الكتاب والسنة-؛ حتى لا نكون كالأمم السابقة التي تجادلت وتفرقت واختلفت بسبب بدعهم وأهوائهم.


(١) الشرح والإبانة على أصول السنة والديانة لابن بطة العكبري (ص ١٤١).
(٢) هذه من الأبيات التي فاقت شهرتها قائلها حتى نسبة لأكثر من شخص، وينسب هذا البيت لطرفة بن العبد. ينظر: أبيات فاقت شهرة قائليها، لعلي محمد الكفري.
(٣) ينظر: تيسير الكريم الرحمن للسعدي (ص ٤٧٤).
(٤) كما أن الجدل سبب لنشوء البدع المتقابلة، فهو كذلك يحسن أن يكون أثراً من آثارها.

<<  <   >  >>