للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الآية الثانية:

قوله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٥٩)} الأنعام: ٥٩، هذه الآية تردُ على بدعتين متقابلتين، وبيان ذلك فيما يلي:

- أولاً: بيان وجه رد الآية على بدعة التفريط.

في هذه الآية الكريمة ردٌ على بطلان كل مذهب أنكر ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات إنكارا كليا أو جزئيا تصريحا أو ضمنيا، كمذهب الجهمية والمعتزلة الغلاة والقدرية نفاة العلم والفلاسفة الذين أنكروا علم الله بالجزئيات، - وقالوا: إنه لا يعلم الأشياء على وجه كلي ثابت، وحقيقة قولهم أنه لا يعلم شيئا -تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً-، فإن كل ما في الخارج هو جزئي (١) وقد أثبت الله تعالى علمه بالجزئيات فأثبت علمه بالحبة والورقة التي تسقط قال تعالى: {وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٥٩)}.

قال الإمام الشافعي - رحمه الله - تعالى: "ناظروا القدرية بالعلم فإن أقروا به خصموا وإن أنكروا كفروا" (٢)؛ لأن الله تعالى موصوف بأنه بكل شيء عليم أزلاً وأبداً (٣)، {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٧٥)} الأنفال: ٧٥، {وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (٤٠)} الأحزاب: ٤٠، ولم يتقدم علمه بالأشياء جهالة {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (٦٤)} مريم: ٦٤، لذلك فإن الإيمان بما وصف الله تعالى به نفسه لا يمكن أن يؤخذ إلا من الكتاب أو السنة.


(١) درء تعارض النقل والعقل (٩/ ٣٩٧).
(٢) شرح الطحاوية (ص ٢٧١).
(٣) الأزل والأبد كلمتان متقابلتان تطلقان على أمرين متقابلين، هذا في الماضي، وهذا في المستقبل، فالأزل يطلق على ما ليس له ماضي ولا بداية له، والأبد يطلق على ما لا نهاية له بالنسبة لنا.
ينظر: المفردات (ص ١٧٣)، شرح العقيدة الطحاوية لشيخ عبد الرحمن البراك (ص ٣٩).

<<  <   >  >>