للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ناصبي، وإذا رأيت الخراساني يطعن على عبد الله بن المبارك: فلا تشك أنّه مرجئ، واعلم أنّ هذه الطوائف كلها مجمعة على بغض أحمد بن حنبل؛ لأنّه ما من أحد إلا وفي قلبه منه سهم لا بُرْء له" (١).

كل هؤلاء اختلفوا في تسمياتهم واتفقوا على محاربة السنة، ولا يخفى أن الغاية تكون في الغالب لهدف التنفير والتحذير منهم وليس لكونهم متجاوزين لحدود الشريعة ووسطية الإسلام (٢).

يقول الشيخ جمال الدين القاسمي - رحمه الله -: "من المعروف في سنن الاجتماع أن كل طائفة كثر سوادها، لا بد أن يوجد فيها الأصيل والدخيل والمعتدل والمتطرف والغالي والمتسامح وقد وجد بالاستقراء أن صوت الغالي أقوى صدى وأعظم استجابة؛ لأن التوسط منزلة الاعتدال، ومن يحرص عليه قليل في كل عصر ومصر، وأما الغلو فمشرب الأكثر ورغيبة السواد الأعظم وعليه درجت طوائف الفرق والنحل (٣)، فحاولت الاستئثار بالذكرى، والتفرد بالدعوى

ولم تجد لاستتباع الناس لها إلا الغلو بنفسها وذلك بالحط من غيرها والإيقاع بسواها حسبما تسنح لها الفرص ... إن كان بالسنان أو باللسان" (٤).

[المعلم الرابع: الجدل والخصومات والمراء في الدين]

من أبرز معالم أصحاب البدع المتقابلة، كثرة الجدل والخصومات في الدين، مع قلة العمل المفيد والمثمر.

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلَّا أُوتُوا الْجَدَلَ, ثُمَّ قَرَأَ: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (٥٨)})) (٥).


(١) طبقات الحنابلة (١/ ١٩٩ - ٢٠٠).
(٢) كمن اتهم دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية الإصلاحية بذلك؛ ومن اتهم أهل العلم في زماننا بوصفهم: علماء حيض ونفاس، لا يفقهون الواقع، وأمثال هذه الترّهات، فمراد هؤلاء الطعن بمنهج العلماء، ولكن لمّا لم يتمكنوا خوفاً من افتضاح أمرهم طعنوا بقادة منهج السلف قديماً وحديثاً، والطعن بهم أولى، والبعض منهم مبتدعة بلباس أهل السنة.
(٣) الفرق الضالة تتميز بالإفراط أو التفريط.
(٤) ينظر: الجرح والتعديل للقاسمي (ص ٤).
(٥) رواه الإمام أحمد في مسنده (٥/ ٢٥٢)، ورواه الترمذي في كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة النساء، برقم (٣١٩٥)، صححه الألباني في مشكاة المصابيح (١/ ٦٣)، برقم (١٨٠).

<<  <   >  >>