للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

o سادساً: العدل بين البشر:

اقتضت حكمة الله - عز وجل - ألا يترك الظالم هكذا دون حساب وعقاب، والمظلوم دون أن يأخذ له حقّه من ظالمه، بل حكمته تعالى ورحمته تقتضيان أن يأخذ كل ذي حق حقه، وكل ظالم جزاءه، ولهذا فإن العدل بين البشر يقتضي البعث والجزاء، قال تعالى: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (٤)} يونس: ٤، فاللام تعليلية، أي: يعيد الخلق بعد موتهم، ليجزي المحسن، ويحاسب المسيء (١).

إن الخلق يصبح عبثاً وباطلاً إذا لم يوجد هناك يوم آخر، يبعث فيه الناس، ويحاسبون على أعمالهم التي عملوها في الحياة الدنيا. والحياة تصبح عبثاً، وخلق السموات والأرض يصبح باطلاً لو كانت الحياة الدنيا هي نهاية المطاف. فنحن نشاهد في الحياة الدنيا مؤمنين وكفاراً، تختلف معتقداتهم وسلوكهم، ويختلف موقفهم من الخالق سبحانه، ثم تنتهي حياة هذا وحياة هذا، فهل يستوي المحسن والمسيء؟ . ونشاهد ظالمين إلى أن يموتوا، ومظلومين إلى أن يموتوا، فهل يكون من العدل أن يُترك هذا وذاك بدون قصاص وعدل؟

كلا بلا شك، ولا يجوز ذلك في حق عدالته وحكمته سبحانه؛ بل لا تستقيم الصورة ولا يتبين الحق حتى توضع التكملة الطبيعية للحياة الدنيا، وهي اليوم الآخر الذي يحاسب الناس فيه فيكرمون أو يهانون.

ومن هنا كان البعث ضرورياً حتى تستقيم الحياة، ويتطهر السلوك، ويرتدع الظالم عن ظلمه، والفاحش عن فحشه إذا خاف يوماً يعرض فيه على ربه، كما قال تعالى رادعاً للمطففين في الكيل: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (١) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (٢) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (٣) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (٤) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (٥) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٦)} المطففين: ١ - ٦.

كان البعث ضرورياً أيضاً حتى يتبين الصادق من الكاذب في أمور العقائد وغيرها، قال تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٣٨) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ (٣٩)} النحل: ٣٨ - ٣٩ (٢).


(١) ينظر: تفسير القرآن العظيم (٢/ ٤٠٨)، وتفسير أبي السعود (٤/ ١١٩).
(٢) ينظر: القصد والوسطية في ضوء السنة النبوية (ص ٣٢٦).

<<  <   >  >>