للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[تمهيد في تعريف الإيمان]

البحث في مسائل الإيمان له قدر كبير من الأهمية؛ ذلك أن الإيمان أشرف مطلوب وأسمى غاية، فبه "كمال العبد، ورفعة درجته في الدنيا والآخرة، وهو السبب والطريق لكل خير عاجل وآجل" (١).

وأقسام التوحيد السابقة تُشكل بمجموعها جانب الإيمان بالله الذي يسمى (التوحيد)؛ لأنه لا يكمل لأحد توحيده إلا باجتماع أنواع التوحيد الثلاثة؛ لأنها متلازمة لا يمكن الاستغناء ببعضها عن الآخر (٢).

وقد أجمع أهل البصيرة والعلم بدين الله من الأولين والآخرين أن الإيمان الذي أمر الله به في كتابه، ودعا إليه رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وكان عليه الصحابة وتابعوهم بإحسان هو: قول وعمل واعتقاد، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية (٣).

لذا فهو يشمل عقائد الإيمان وأعماله وأخلاقه من الإقرار الكامل، والتصديق الجازم، والاعتراف التام؛ بوجود الله تعالى، وبما له سبحانه من الأسماء الحسنى والصفات العلا والأفعال الناشئة عن أسمائه وصفاته، والاعتراف بانفراده سبحانه بالوحدانية والألوهية، وعبادته وحده لا شريك له، وإخلاص الدين له، والقيام بشرائع الإسلام الظاهرة، وحقائقه الباطنة، والإقرار بما أخبر به سبحانه عن ملائكته وجنوده والموجودات السابقة واللاحقة، والإخبار باليوم الآخر، والإيمان بجميع الرسل -عليهم صلوات الله وسلامه-، وما وصفوا به من الأوصاف الحميدة، وبجميع الكتب وما تضمنته من الحق والهدى، والإقرار أن الأمور كلها بمشيئة الله وقدرته، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وكلّ ما يطاع الله - عز وجل - به فريضة


(١) التوضيح والبيان لشجرة الإيمان، للشيخ عبد الرحمن بن ناصر آل سعدي (ص ٧١).
(٢) أوضح بعض أهل العلم هذه العلاقة بقوله: هي علاقة تلازم وتضمن وشمول، فتوحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية، وتوحيد الألوهية متضمن لتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات شامل للنوعين معناً، فالخلل والانحراف في أي نوع منها هو خلل في التوحيد كله. ينظر: شرح الطحاوية لابن أبي العز (١/ ٤٠ - ٤١)، ودرء التعارض (٩/ ٣٤٤ - ٣٤٥)، ومنهاج السنة (٢/ ٣٧)، والكواشف الجلية، لعبد العزيز محمد السلمان (ص ٤٢٢)، والشرك في القديم والحديث (١/ ٩٧).
(٣) ينظر: السنة لعبد الله بن أحمد (١/ ٣٠٧)، والسنة للخلال (٣/ ٥٨٠ - ٥٨١)، والشريعة للآجري (ص ١١٩)، والإيمان لابن مندة (١/ ٣٦٢)، وأصول السنة لابن أبي زمنين (ص ٢٠٧)، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي (٤/ ٨٣٠) وما بعدها، وشرح السنة للبغوي (١/ ١٠، ٣٩)، وشعب الإيمان للبيهقي (١/ ٣٥) وما بعدها، جموع الفتاوى (٧/ ٥٠٥)، كتاب الإيمان (ص ١٤٢)، وشرح العقيدة الطحاوية (ص ٤٥٩) وما بعدها.

<<  <   >  >>