للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الثاني: الإفساد في الأرض.]

إن من نتائج وآثار البدع المتقابلة انتشار الفساد في الأرض، والفساد المقصود به هنا: ما يمس دين الإنسان ودنياه على حد سواء. ومن ذلك:

[١ - امتحان الناس، وإلحاق الأذى بهم]

من المفاسد التي حُفظت في القديم والحديث، امتحان الناس، وإلحاق الأذى بهم، فتجد أن كل فرقة وطائفة من البدع المتقابلة، إذا تسلطت على الفرق الأخرى، أذاقتها ألوانًا من الظلم والبطش والاضطهاد ولم ترقب فيها إلا ولا ذمة؛ ومن الأمثلة التاريخية الدالة على ذلك ما عرف في التاريخ الإسلامي بـ"فتنة القول بخلق القرآن" فلقد تسلط الجهمية على مقاليد السلطة، والتعليم، والقضاء، وجميع مظاهر الحياة في القرن الثالث الهجري؛ بدءاً من ولاية الخلفاء العباسيين الثلاثة: المأمون، والمعتصم بالله، والواثق بالله؛ فشملت هذه الفترة الزمنية من سنة (٢١٨ - ٢٣٢ هـ)، وكانت أشد الفترات نشراً لهذه البدعة هي فترة خلافة الواثق.

ويلخص شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - ما حل بالأمة الإسلامية في هذه الفترة من الإفساد في الأرض، وصور ذلك الإفساد في الدين والدنيا فيقول: " اجترؤا على دعاء الناس إلى القول بخلق القرآن، وامتحانهم على ذلك، وعقوبة من لم يجبهم بالحبس، والضرب، والقتل، وقطع الأرزاق، والعزل عن الولايات، ومنع قبول الشهادة وترك افتدائهم من أسر العدو، إلى غير ذلك من العقوبات التي إنما تصلح لمن خرج عن الإسلام، وبدلوا بذلك الدين نحو تبديل كثير من المرتدين" (١).

وشمل امتحان أولئك المبتدعة الضلال على البدعة وإلزامهم القول بها الفقهاء والمحدثين، والقضاة، والأئمة، والمؤذنين، وقواد الجيش، وأسارى المسلمين، وسائر عمال الدولة فأجاب عامتهم مكرهين، كما منع من التدريس والإفتاء من لم يقل بخلق القرآن (٢). فكان هناك إصرار قوي من أولئك الضلال؛ لإفساد عقائد الناس، وإلزامهم بالقوة بالبدعة، ومنع نشر السنة النبوية المبطلة لبدعهم.


(١) التسعينية لابن تيمية (ص ١/ ٢٣٠ - ٢٣١).
(٢) ينظر: في ذلك الكامل في التاريخ لابن الأثير (٤/ ٢٢٢ - ٢٢٥)، وسير أعلام النبلاء تحقيق شعيب الأرناؤوط (١٠/ ٢٨١، ٢٨٨، ٣١٢).

<<  <   >  >>