للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} النمل: ٦٢، {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} الأنعام: ٦٣، وإجابة الدعاء فعل من أفعال الله تعالى والإقرار بتفرده بها إقرار بتفرده بأفعاله، وكل هذا يستلزم الاعتقاد بعلم الغيب والتصرف المطلق والقدرة المطلقة والنفع والضر للمدعو.

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله -: " ومن براهين وحدانية الباري وربوبيته، إجابته للدعوات في جميع الأوقات فلا يحصي الخلق ما يعطيه للسائلين وما يجيب به أدعية الداعين من بر وفاجر ومسلم وكافر، تحصل المطالب الكثيرة، ولا يعرفون لها شيئاً من الأسباب سوى الدعاء والطمع في فضل الله والرجاء لرحمته، وهذا برهان مشاهد محسوس لا ينكره إلا مباهت مكابر" (١).

- ثانياً: بيان وجه رد الآية على بدعة الإفراط.

في هذه الآية رد على من عظم المخلوقين، وجعلهم وسائط بينه وبين الله - عز وجل -، واعتقد أن دعاءهم له مستجاب ولا محالة، فدعاهم من دون الله، فأتى الرد في قوله تعالى: {وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ}، للدلالة على أن من لوازم الدعاء أن يكون المدعو متصرفاً التصرف المطلق وقادراً القدرة المطلقة، وهاتان الصفتان - التصرف والقدرة المطلقتان- من خصائص الربوبية فلا يتصف بهما غير الله تعالى، فمن صرف الدعاء لغير الله تعالى فقد صرف له ما هو من خصائص الربوبية، فلذا وجب إخلاص الدعاء لله تعالى، والإخلاص في الدعاء يستلزم الإخلاص في توحيد الربوبية، وأن الشرك في الدعاء يستلزم الشرك في الربوبية، وكذلك فإن من لوازم الدعاء الاعتراف بأن الله هو النافع الضار إذ من شأن الدعاء أن يكون المدعو يستطيع أن ينفع داعيه أو يضره.

ودعاء غير الله تعالى فيه إضاعة لمعنى العبودية، ولمقتضيات الربوبية، وفيه إساءة الظن بالله -سبحانه وتعالى-، وفيه تشبيه الخالق بالمخلوق إذ اعتقد الداعي أن من يدعوه يتوسط له لدى الله تعالى كما يتوسط لدى الرؤساء والزعماء، وهذا التشبيه صرح به بعضهم ظنا منهم أن الخالق مثل المخلوق (٢).


(١) الرياض الناضرة والحدائق المنيرة الزاهرة، للسعدي (ص ٢٥٣).
(٢) ينظر: الواسطة بين الحق والخلق ضمن الفتاوى (١/ ١٢٦ - ١٢٧)، شواهد الحق للنبهاني (ص ١٤٥).

<<  <   >  >>