للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (٩)} البقرة: ٨ - ٩، كما أنه لا يكفي مجرد المعرفة الذهنية بحقائق الإيمان، فكم من قوم عرفوا حقائق الإيمان ولم يؤمنوا، قال تعال: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٤)} النمل: ١٤.

ويهمنا هنا الوقوف على أسباب الانحراف المؤدية إلى التفريط في مسائل الإيمان، وهي:

- أولاً: أن الإرجاء ردة فعل لغلو الخوارج:

المرجئة فرقة إسلامية نشأت بعد ظهور الخوارج، كردِ فعل لغلو الخوارج؛ لأنهم أرادوا دفع فكر التكفير واستباحة الدماء لدى الخوارج، لجعل أهل القبلة كلهم مؤمنين وليسوا كفاراً، كما وجدوا النصوص الكثيرة (١) والنظر العقلي يدلان على فساد قول الخوارج -ما يعني أنهما لم يكونا منذ النشأة منهجين متعادلين-.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: " إنما أحدث الإرجاء قوم قصدهم جعل أهل القبلة كلهم مؤمنين ليسوا كفاراً" (٢).

وقد خاضوا في مواقف انفعالية جدلية أفرزتها المعارك الكلامية الطاحنة بين الفرق البدعية، فوقعوا في بدعتهم، التي تقتضي تهوين ركن أساسي في الإيمان وهو "العمل" (٣)، وتطور الخلاف بين أصحابه في الجانب التطبيقي، ليصبح موضوعه الرئيس حكم مرتكب الكبيرة (الفاسق الملي)، بعد أن كان -في السابق-عثمان وعلياً وسائر الصحابة زمن الفتنة، وبهذا التطور آل الأمر إلى منهجين متضادين على الحقيقة، كما فتحت هذه البدعة الباب للخطأ في العقائد والأعمال - والله المستعان-.


(١) كنصوص دخول الموحدين الجنة مهما عصوا ولو بعد حين، ونصوص إثبات الإسلام لمرتكب الكبيرة.
(٢) مجموع الفتاوى (١٧/ ٤٤٦).
(٣) ينظر: حقيقة الليبرالية وموقف الإسلام منها (ص ٣٣٢ - ٣٣٣).

<<  <   >  >>