للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأول: باعتبار المصدر (التعبد، أو فعل العابد): وبهذا الإطلاق يكون معناها: ما يجتمع فيه الخضوع (١)

مع الحب (٢).

والإطلاق الثاني: باعتبار (المتعبد به): وبهذا الإطلاق هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال الظاهرة والأعمال الباطنة، كما قال شيخ الإسلام (٣).

والعبادة بهذين الإطلاقين تشمل كيان الإنسان كله وجميع حياته، فكل ما قد عُمِل من أعمال العباد بالحب والخضوع فهي عبادة، سواء فُعِل لله - عز وجل - أو فُعِل لغيره سبحانه (٤)؛ وشرك العبادة أمر يصعب حصره، خاصة وأن المقام هنا ليس مقام بسط للشرك وأنواعه.

لذا نخلص إلى أن الشرك بجميع أنواعه الأكبر والأصغر والخفي من أسباب الانحراف المؤدي إلى التفريط في توحيد الألوهية، وأن العبادة متعلقة باللسان والقلب والجوارح، لذلك كان شرك العبادة متعلق بأقوال القلب كما أنه متعلق بأعمال القلب أيضاً (٥)، إذن الشرك في العبادة له جانبان:

الأول: الشرك بالأقوال القلبية، ومن أفراده ما يلي:

١ - الشرك بالدعاء.

٢ - الشرك بالاستغاثة.

٣ - الشرك بالاستعانة.


(١) قول جماعة من أهل العلم: إن العبادة تجمع التذلل والمحبة، فيه نظر، وإنما تجمع الخُضوع والمحبة، وعبر (بالخضوع) في بيان المعنى العام للعبادة دون الذل لأمرين:
أحدهما: اقتفاء الخطاب الشرعي؛ لأن (الخضوع) مما يُعبد الله به، بخلاف (الذل) فهو كوني قدري لا ديني شرعي، ودليل ذلك حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عند البخاري: ((إذا قضى الله الأمر من السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خُضعانا لقوله)) وأفعال الملائكة دينية شرعية، وقول عمر - رضي الله عنه - في قنوته: " ونؤمن بك ونخضع لك" فهو خبر عن عبادة تقرب إلى الله .. إذا يكون الخضوع شرعياً وكونياً بخلاف الذل فإنه لا يكون إلا كونياً قدرياً فقط.

والآخر: أن الذل ينطوي على إجبار دون اختيار؛ فقلب الذَّليل فارغٌ من الإقبال الذي هو حقيقة العبادة كما أن يتضمن تحقيراً (ونقصاً) لا يناسب مقام العبادة المورثة كمال الحال.
ينظر: تعليقات الشيخ صالح العصيمي على متن الثلاثة الأصول وأدلتها، في دورة مهمات العلم المقامة في الحرم المدني لعام ١٤٣٥ هـ.
(٢) ينظر: روضة المحبين لابن القيم (ص ٦٨)، ومدارج السالكين (١/ ٧٤)، وجامع البيان للطبري (١/ ١٨٤)، وتفسير القرآن العظيم (١/ ١٣٤)، وتقريب التدمرية لابن عثيمين (ص ١٢٩).
(٣) ينظر: العبودية (ص ٣٨)، ومجموع الفتاوى (١٠/ ١٤٩)، وينظر أيضاً: الشرك في القديم والحديث (١/ ١٤٩) وما بعدها.
(٤) الشرك في القديم والحديث الخاتمة (٣/ ١٤٣٧) وما بعدها.
(٥) مجموع الفتاوى (١٠/ ٢٦٨).

<<  <   >  >>