للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ضلّ في هذا المجال مشركو العرب الذين كانوا يزعمون أن الملائكة إناث، واختلطت هذه المقولة المجافية للحقيقة عندهم بخرافة أعظم وأكبر؛ إذ زعموا أن هؤلاء الإناث بنات الله.

وناقشهم القرآن في هاتين القضيتين، فبين أنهم - فيما ذهبوا إليه - لم يعتمدوا على دليل صحيح، وهكذا تنشأ الخرافة، وتتفرع في عقول الذين لا يتصلون بالنور الإلهي (١).

ومنهم من غلا فوصفها بصفات الربوبية وصرف لها الألوهية، وذلك ناتج من عدم التزامهم بما نصت عليه الآيات الكثيرة فكذبوا خبر الله - عز وجل -، وإخبار رسوله - صلى الله عليه وسلم - عنهم، بأنهم عباد مكرمون، ليس لهم من خصائص الربوبية والألوهية من شيء قال تعالى: {وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (١٩) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (٢٠)} الأنبياء: ١٩ - ٢٠، {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٢٩)} الأنبياء: ٢٩.

قال الشيخ السعدي - رحمه الله -: " فالملائكة الكرام والأنبياء والأولياء ونحوهم يتبرؤون ممن عبدهم يوم القيامة، ويتنصلون من دعائهم إياهم إلى عبادتهم، وهم الصادقون البارون في ذلك" (٢).

- رابعا: أثر اجتماع الرد على البدع المتقابلة في موطن واحد.

هذه الآية شاهدة على طريقة أهل السنة ومنهجهم العام في باب الإيمان بالملائكة فهم بين الغلو والتقصير؛ لأنهم يعتقدون اعتقاداً جازماً أن لله ملائكة موجودين مخلوقين من نور، غير موصوفين بالذكورة ولا الأنوثة، وأنهم لا يعصون الله ما أمرهم، وأنهم قائمون بوظائفهم التي أمرهم الله بالقيام بها، ولا يصلح أن تصرف لهم العبادة، كما لا يصح إيمان عبد حتى يؤمن بوجودهم، وبما ورد في حقهم من صفات وأعمال في كتاب الله سبحانه، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - من غير زيادة، ولا نقصان ولا تحريف (٣).


(١) ينظر: عالم الملائكة الأبرار، لعمر الأشقر (١٣).
(٢) تيسير الكريم الرحمن (ص ٤١٦).
(٣) ينظر: شرح العقيدة الطحاوية (٢/ ٤٠٥)، والإيمان لمحمد نعيم ياسين (ص ٤٨).

<<  <   >  >>