للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الثاني: الانحراف المؤدي إلى الإفراط في مسائل الإيمان.]

من جملة المخالفين لأهل السنة والجماعة في هذا الباب: الخوارج (١)، والمعتزلة (٢) "الوعيدية"، فمخالفتهم لا تتعلق بإخراج العمل من مسمى الإيمان، كما هو الشأن مع المرجئة "المُفَرِطة"، بل مخالفتهم من جهة اعتبارهم أن الكبيرة تزيل اسم الإيمان، فأدى بهم هذا الغلو إلى مقالات رديئة منكرة، فبعضهم قال: إلى شرك، وبعضهم قال: إلى كفر نعمة، وبعضهم قال: إلى نفاق، وبعضهم قال: إلى فسق، ثم اتفوقوا: على أن كل من سُلِبَ عنه وصف الإيمان أنه لا يدخل الجنة؛ لأنه لا يدخلها إلا المؤمنون (٣)، فوقعوا بهذا الادعاء في تعطيل نصوص الشرع، وتضييق دائرة الإسلام، والافتراء على الله - عز وجل -.

ومن أجل هذا فإن الانحراف المؤدي إلى الإفراط في مسائل الإيمان، يأتي من عدة أسباب، وهي:

- أولاً: انطلاقهم من أصلهم البدعي:

بنى الوعيدية مذهبهم على أن الإيمان شيء واحد لا يتركب ولا يتجزأ، وتَفرَّع عن هذا الأصل البدعي الفاسد بدع أخرى، منها:

[١ - تكفيرهم لصاحب الكبيرة والحكم بخلوده في النار]

فمرتكب الكبيرة غير مؤمن -عند الوعيدية-؛ لأن إيمانه زال بارتكابه الكبيرة، فالإيمان عندهم شيء واحد إذا ذهب بعضه ذهب كله، ثم بنوا على هذا: القطع بإنفاذ الوعيد،


(١) في زماننا هذا لم يعد لفرق الخوارج وجود سوى فرقة الإباضية، وتنتشر في سلطنة عُمان وجنوب ليبيا وبلاد المغرب العربي وزنجبار "وتسمى الآن تنزانيا"، كما تتبنى بعض أصولها بعض جماعات الغلو المعاصر مثل جماعات التكفير والهجرة في مصر واليمن والأردن وباكستان وغيرها، وتنظيم القاعدة، وتنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش).
(٢) حصل الاعتزال نتيجة النقاش في مسائل عقدية دينية كالحكم على مرتكب الكبيرة، والحديث في القدر، بمعنى هل يقدر العبد على فعله أو لا يقدر، والواقع أن نشأة الاعتزال كانت ثمرة تطور تاريخي لمبادئ فكرية وعقدية وليدة النظر العقلي المجرد في النصوص الدينية وقد نتج ذلك عن التأثر بالفلسفة اليونانية والهندية والعقائد اليهودية والنصرانية.
وقد يظن البعض أن المعتزلة قد انقرضوا وبادوا، والحقيقة أنه قد حمل آراءهم ومعتقداتهم كثير من الذين جاءوا من بعدهم، وكثير من المعاصرين، فشيعة العراق على الإطلاق معتزلة، وكذلك شيعة الأقطار الهندية والشامية والبلاد الفارسية، ومثلهم الزيدية في اليمن، فإنهم على مذهب المعتزلة في الأصول، كما عاد فكر الاعتزال من جديد في الوقت الحاضر، على يد بعض الكتاب والمفكرين، الذين يمثلون المدرسة العقلانية الجديدة، وبهذا يعلم أن المعتزلة ليسوا في قلة، فضلاً عن أن يظن أنهم انقرضوا.

ينظر: تاريخ الجهمية والمعتزلة لجمال الدين القاسمي (ص ٥٦)، الشرك في القديم والحديث (٢/ ٨٠٤).
(٣) ينظر: الملل والنحل (١/ ١٣٧)، ومجموع الفتاوى (١/ ٣١٤) (١٢/ ٤٨٠) (١٦/ ١٩)، ومنهاج السنة (٣/ ٤٦٩) (٥/ ٢٦٠)، والجواب الصحيح (١/ ٧٤ - ٧٥)، والصواعق المرسلة (٢/ ٤٥٤).

<<  <   >  >>