للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الآية الأولى: قال الله تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١٢)} هود: ١١٢.

جَمَع قول الله تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} أصول الإصلاح الديني وفروعه، كما جمع قوله تعالى: {وَلَا تَطْغَوْا} أصول النهى عن المفاسد وفروعها، فكانت الآية الكريمة بذلك جامعة لإقامة المصالح ولدرء المفاسد (١).

وهذه الآية الكريمة من الآيات الدالة على مجانبة الغلو والجفاء؛ لأنها دعت إلى لزوم الاستقامة (٢) وعدم مفارقتها إلى غيرها من الغلو ومجاوزة الحد، أو الجفاء والتقصير في الدين.

فكانت صريحة في الأمر بالاستقامة، في باب الأمر والاتباع، وكانت كذلك صريحة في النهي عن الغلو والجفاء والإفراط والتفريط، لذلك نراها ترسم لنا بوضوح خطة المنهج السليم في العقائد والعبادات، وذلك بالاستقامة في فعلهما على الطريق المعتدل، الذي ليس فيه إفراط ولا تفريط، حسب الشرع {كَمَا أُمِرْتَ} ثم أكد - عز وجل - ذلك بقوله: {وَلَا تَطْغَوْا} والطغيان: مجاوزة الحد بالتشدد والتنطع، وهو الغلو (٣)؛ ولأن الأمر بالاستقامة وما يستلزمه من يقظة دائمة وحرص دائم لعدم الوقوع في الخطايا والذنوب أو البعد عن النهج المستقيم قد يدفع إلى الغلو والإفراط؛ لذلك كان أمر الله سبحانه لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - ومن معه بالاستقامة مرتبطاً بالنهي عن الطغيان (٤).

والنهي عن أحد الضدين يتضمن النهي عن الضد الآخر وهو الجفاء؛ كما أن تجاوز الحد يستعمل من جانب الزيادة والكمال، فقد يستعمل كذلك في تجاوز الحد من جانب النقصان والترك والتهاون والتقصير (٥).

وإن كان الخطاب في هذه الآية موجهاً للنبي - صلى الله عليه وسلم -، إلا أن المقصود أمته. قال القرطبي - رحمه الله -: "قوله تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولغيره. وقيل: له والمراد أمته، قاله


(١) التفسير الوسيط لطنطاوي (٧/ ٢٨٥).
(٢) الاستقامة هي غاية الكمال الديني؛ لأنها روح الإسلام وغايته.
(٣) ينظر: التحرير والتنوير (١٢/ ١٨٣)، زهرة التفاسير لمحمد بن أحمد المعروف بأبي زهرة (٧/ ٣٧٦١)، فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي (٦/ ٢٦١).
(٤) ينظر: مؤتمر الوسطية، مختارات من فكر الوسطية، تيار الوسطية للدكتور سعد الدين العثماني (١٢٨).
(٥) ينظر: التعريفات (ص ٣٢).

<<  <   >  >>