للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: " أي: هم قادرون على ذلك لا يعجزون عن شيء منه بل يفعلونه كله، فيلزم وجود كل ما أمروا به، وقد يكون في ضمن ذلك أنهم لا يفعلون إلا المأمور به، كما يقول القائل: أنا أفعل ما أمرت به، أي: أفعله ولا أتعداه إلى زيادة ولا نقصان" (١).

كما أن في قوله تعالى: {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (٥٠)} وقوله: {وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (٢٧)} الأنبياء: ٢٧، دليل عن عصمة الملائكة واشتغالهم التام بالعبادة؛ ومن كان كذلك امتنع منه صدور الخطيئة، لا سيما مع عدم المنازع من هوى أو شهوة (٢)، فيكون ذلك رداً على المبتدعة الذين وصفوا الملائكة بالنواقص وارتكاب المعاصي وأن لهم شهوة وغير ذلك.

- ثانياً: بيان وجه رد الآية على بدعة الإفراط.

كما أن في هذه الآية -أيضاً- رداً على الغلاة عُبَّادُ الملائكة، الذين صرفوا لها شيئاً من الألوهية؛ فأبانت هذه الآية أن هؤلاء الملائكة لا يستحقون أن يعبدوا فهم {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ}، فكانت هذه الآية دليلٌ على بطلان عبادة الملائكة، فالملائكة مع فضلهم ومكانتهم ومع كونهم يعبدون الله - عز وجل - لا يفترون، ومع كونهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، مع هذه الخصائص جميعاً لا يستحقون العبادة؛ لأنهم يخافون (٣)، والإله لا يخاف، كما نصت هذه الآية على أَن الْمَلَائِكَة متعبدون، والإله يُعبد ولا يتعبد لأحد، قال تعالى: {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (٥٠)}.

وإذا بطل ذلك في حق الملائكة وهم أقوى الخلق خِلقة، ومن أقربهم إلى الله -سبحانه وتعالى- منزلة فلأن تبطل عبادة من سواهم من الآدميين والجن والإنس من باب أولى، فكان هذا دليل على بيان بُطلان عبادة كل من عُبد من دون الله من الأنبياء، والأولياء، والصالحين، والملائكة؛ لأنهم إذا بطلت عبادة هؤلاء، فبُطلان عبادة من دونهم من باب أولى (٤).


(١) الإيمان لابن تيمية (ص ١٤٠).
(٢) ينظر: عدة الصابرين (ص ٢٣).
(٣) وكلما قوي إيمان العبد ويقينه قوي خوفه ورجاؤه مطلقًا، قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} فاطر: ٢٨، وقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٥٧)} المؤمنون: ٥٧، وقال عز من قائل: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (٥٠)} النحل: ٥٠. ينظر: تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد (ص ٤٣٥).
(٤) ينظر: إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد (١/ ٢٢١)

<<  <   >  >>