للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأعمال العباد تسند إلى العبد فعلاً واختياراً وتسند إلى الله خلقاً وإيجاداً، فهي من فعل العبد بمشيئته وقدرته، ولكن الله هو الذي خلق المشيئة والقدرة، وهي السبب في فعل العبد، وخالق السبب التام خالقٌ للمسبب، فالله - عز وجل - خلق العباد وأعمالهم وما يعملون (١).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: " فأثبت مشيئة العبد، وجعلها لا تحصل إلا بمشيئة الله" (٢).

- ثالثاً: المأخذ الذي انطلقت منه هاتان الطائفتان.

المأخذ الذي انطلقت منه هاتان الطائفتان هو: الجهل بحكمة الله فيما يخلق ويقدر:

لم تعرف المبتدعة حكمة الله - عز وجل - في الأشياء، ولا حكمته فيما يقدر ويخلق من الخير والشر أو من المخلوقات بعامة، ولما لم يدركوا الحكمة، عارضوا فعل الله - عز وجل - في ملكوته بما يرون من ظاهر رأيهم (٣).

فعطلت القدرية الله - عز وجل - عن أفعاله، فقالوا: بأن الله لا يخلق الشر، بينما نسبوا للعباد خلق الشر في أفعالهم.

أما الجبرية فقد أوقعهم مذهبهم الفاسد في تعطيل الشرع، عندما غلوا في إثبات أفعال الله، وقالوا: بأن كل شيء من خلق الله، وأن ما خلقه الله فقد أراده وأحبه ولو كان شراً، وأن العباد لا يقدرون على شيء، لذا فهم مسيرون غير مخيرين.

قال ابن القيم - رحمه الله -: " الشر ليس إلى الرب تعالى بوجه من الوجوه، لا في ذاته ولا في أسمائه ولا في صفاته ولا في أفعاله وإنما يدخل الشر الجزئي الإضافي في المقضي المقدر ويكون شراً بالنسبة إلى محل وخيراً بالنسبة إلى محل آخر، وقد يكون خيراً بالنسبة إلى المحل القائم به من وجه، كما هو شر له من وجه، بل هذا هو الغالب وهذا كالقصاص وإقامة الحدود وقتل الكفار، فإنه شر بالنسبة إليهم لا من كل وجه بل من وجه دون وجه، وخير بالنسبة إلى غيرهم لما فيه من مصلحة الزجر والنكال ودفع الناس بعضهم ببعض، وكذلك الآلام والأمراض


(١) ينظر: المسائل العقدية التي حكى فيها ابن تيمية الإجماع (ص ٨٣٦).
(٢) منهاج السنة (٣/ ٢٣٧) وينظر لهذه الأمور الثلاثة السابقة: المسائل العقدية المتعلقة بالحسنات والسيئات جمعا ودراسة (١/ ٥٨١ - ٥٨٢).
(٣) ينظر: تائية شيخ الإسلام ابن تيمية (١/ ١٥١).

<<  <   >  >>