للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصفات، وتوهموا أنها صريحة في التشبيه، فشبهوا ذات الخالق بذات المخلوق، وصفات الخالق بصفات المخلوق.

الثالثة: أهل السنة والجماعة، الذين سلِموا من ضلالة النفي والتعطيل، ولم يرتكسوا في حمأة التشبيه والتمثيل، وكانوا بين ذلك على هدي قاصد وصراط مستقيم (١).

قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: " هذه مسألة كبيرة عظيمة القدر، اضطرب فيها خلائق من الأولين والآخرين، من أوائل المائة الثانية من الهجرة النبوية، فأما المائة الأولى فلم يكن بين المسلمين اضطراب في هذا، وإنما نشأ ذلك في أوائل المائة الثانية؛ لمَّا ظهر الجعد بن درهم، وصاحبه الجهم بن صفوان، ومَنِ اتبعهما من المعتزلة وغيرهم على إنكار الصفات، فظهرت مقالة الجهمية النفاة؛ نفاة الصفات ... فلما ظهر هؤلاء الجهمية، أنكر السلف والأئمة مقالتهم وردوها، وقابلوها بما تستحق منَ الإنكار الشرعي، وكانت خفية إلى أن ظهرت وقويت شَوكةُ الجهمية في أواخر المائة الأولى، وأوائل الثانية في دولة أولاد الرشيد، فامتحنوا الناس المحنة المشهورة التي دعوا الناس فيها إلى القول بخلق القرآن، ولوازم ذلك؛ مثل إنكار الرؤية والصفات، بناء على أن القرآن هو من جملة الأعراض، فلو قام بذات الله، لقامت به الأعراض، فيلزم التشبيه والتجسيم.

وحدث مع الجهمية قوم شبهوا الله تعالى بخلقه، فجعلوا صفاته من جنس صفات المخلوقين، فأنكر السلف والأئمة على الجهمية المعطلة، وعلى المشبهة الممثلة" (٢).

وبالجملة فموقف المبتدعة من نصوص الصفات يتسم بالإفراط والتفريط، فكلا الفريقين ضل في باب الصفات، وأعرضوا عن قوله جل وعلا: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١)} الشورى: ١١.


(١) ينظر: وسطية أهل السنة بين الفرق (ص ٣٠٧)، والأصول التي بنى عليها المبتدعة مذهبهم في الصفات (١/ ١٢٨) وما بعدها.
(٢) مجموع الفتاوى (٦/ ٣٣ - ٣٥).

<<  <   >  >>