للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- ثانياً: بيان وجه رد الآية على بدعة الإفراط.

وفيها رد على القدرية الوعيدية (١) الذين يعظمون شأن الطاعات والمعاصي، إلا أنهم غلوا حتى سلبوا الإيمان بذهاب بعض الواجبات (٢)،

وأضافوا الفضل في فعل الحسنات لأنفسهم، لذا فهم لا يدْعون الله ولا يشكرونه (٣) فأتت الآية للرد عليهم في قوله: {وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} لإثبات أنه سبحانه المستحق للشكر؛ لأنه هو المتفضل سبحانه على عباده بتوفيقهم إلى طاعته، وتيسيره سلوكهم طريق النجاة والفلاح؛ وعلى هذا المعنى جاء قوله - عز وجل -: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ} الأنعام: ٩٠، وقوله سبحانه: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} الأنعام: ١٢٥.

- ثالثاً: المأخذ الذي انطلقت منه هاتان الطائفتان.

إذا كانت المرجئة والجبرية قد جفوا، فرأوا أنه لا تأثير للسيئات والحسنات على توحيد الألوهية؛ بل يجوز عندهم أن يعاقب صاحب الحسنات الراجحة، ويثيب صاحب السيئات الراجحة؛ لأن الأمر مردود عندهم إلى محض المشيئة.


(١) كتب الفرق لم تذكر تعريفاً لها على أنها فرقة مستقلة لها آراؤها ومبادؤها، وإنما يطلق لفظ "الوعيدية" غالباً على من قال بنفاذ وعبد الله ووعيده، ومن قال: إن مرتكب الكبيرة كافر، أو في منزلة بين المنزلتين هذا في الدنيا، أما في الآخرة فهو خالد مخلد في النار، ويخرجونهم من الإيمان بالكلية، ويكذبون بشفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم -. ولا يخفى أن مثل هذا القول الذي حمل لواءه الخوارج والمعتزلة باطل مخالف لنصوص الكتاب والسنة.
ينظر: أصول الدين للبغدادي (٢٤٢ - ٢٤٣)، والإرشاد للجويني (ص ٣٨٦)، مجموع الفتاوى (٣/ ٣٧٤)، والجواب الصحيح (١/ ٧٤ - ٧٥)، والصواعق المرسلة (٢/ ٤٥٤).
(٢) العلاقة بين وتوحيد الألوهية وإيمان القلب لا تخفى؛ لأنه لا يتصور وجود أحدهما دون الآخر؛ لأن "جنس الأعمال من لوازم إيمان القلب"، قال الآجري: " فالأعمال بالجوارح تصديق عن الإيمان بالقلب واللسان؛ فمن لم يصدق الإيمان بعمله بجوارحه مثل الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وأشباه ذلك، ورضي من نفسه بالمعرفة والقول لم يكن مؤمناً، ولم تنفعه المعرفة والقول، وكان تركه للعمل تكذيباً للإيمان، وكان العمل بما ذكرناه تصديقاً منه لإيمانه، وبالله التوفيق" الشريعة (٢/ ٦١٤). وهذا ظاهر لمن تأمل؛ فإن الدين لا بد فيه من طاعة وعمل وانقياد {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} النساء: ٦٤؛ ولذلك رتب الله تعالى الفوز والفلاح والنجاة من العقاب على الإيمان مع العمل الصالح في مواضع كثيرة، وهي دليل على أن إيمان القلب وحده لا يكفي؛ بل لا بد معه من أعمال صالحة.

ينظر: مجموع الفتاوى (٧/ ١٩٨) (٧/ ٦٧٢ - ٦٧٣) (١٠/ ٢٦٩ - ٢٧٢)، والإيمان الأوسط (ص ٥٦٧). (ص ٤٤٨)، والمسائل العقدية المتعلقة بالحسنات والسيئات (١/ ٣٧٣).
(٣) بزعمهم أن الله عدل وأنه لا يخلق أفعال العباد، وأنه منزه عن الظلم.

<<  <   >  >>