للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بين محبة الله ومشيئته- قياساً على المخلوق-، ونفوا تعليل أفعال الله، أو أن تكون له فيها حكمة تعود إليه، فنتج عن هذا أن جوزوا عقلاً كل ممكن عليه سبحانه، حتى ما يكون ضرراً محضاً؛ لأنه تصرف في ملكه، وقالوا: بأن كل ما شاءه الله حسن؛ لأنه يحبه (١).

وهذا دفعهم إلى سلب العباد إرادتهم ومشيئتهم، وإلى القول بأن العبد مجبور على فعله، والله وحده هو الخالق لأفعال العباد وأعمالهم.

- رابعا: أثر اجتماع الرد على البدع المتقابلة في موطن واحد.

من خلال مقالتي الطائفتين، يتبين أن القدرية النفاة مفرطون في هذا الباب، مقصرون فيه بما سلبوا الله قدرته، وقولهم: إن العباد هم الخالقون لأفعالهم.

كما يتضح كذلك مدى غلو الجهمية الجبرية في إثبات القدر حتى سلبوا الإنسان مشيئته وإرادته وعدوه بمنزلة الجماد، وأنه لا فعل له في الحقيقة، وأنه مجبور على أفعاله غير مختار فيها، وكلا الفريقين من الإفراط والتفريط على شفا جرف هار.

فكل منهما قد أخطأ، وضل في هذا الباب، وإن كان هذا لا يمنع أن يكون مع كل منهما بعض الحق والصواب، لكن الحق المحض والصواب المحض ليس هو في قول واحد منهما، وإنما هو في قول خارج عن قولهما جمع ما عند كل من الفريقين من حق وصواب، وخلا مما وقع فيه الفريقان من خطأ وضلال.

ذلك هو قول أهل السنة والجماعة في هذا الباب، الذي هو حق بين باطلين، وهدى بين ضلالتين، به كانوا وسطاً بين إفراط وتفريط الفريقين في هذا الباب (٢)، وهذا أثر اجتماع الرد على البدع المتقابلة في موطن واحد.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: "وهم وسط (٣) في باب أفعال الله بين الجبرية والقدرية وغيرهما" (٤).


(١) ينظر: مجموع الفتاوى (٨/ ٥٠٦)، درء التعارض (٨/ ٢٢).
(٢) ينظر: وسطية أهل السنة بين الفرق (ص ٣٧٢).
(٣) أي أهل السُّنَّة، وأهل العقيدة السلفيّة.
(٤) العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيميّة.

<<  <   >  >>