للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إليها، والتعويل عليها، حتى يصدروا عنها، بل قدموا أهواءهم، واعتمدوا على آرائهم، ثم جعلوا الأدلة الشرعية منظوراً فيها من وراء ذلك (١)؛ واتبعوا المتشابه وتركوا المحكم؛ لأن في المتشابه طلبتهم من التأويل، وإرضاء ما في قلوبهم من شهوة ومرض وفتنة وفساد، قال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} آل عمران: ٧. واتباع الهوى وترك التشريع لعقول الرجال ظهر بسببه التضارب في آراء أهل البدع، ولاشك أن هذا عين الضلال، قال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} القصص: ٥٠. وقال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} الجاثية: ٢٣.

واتباع الهوى أمر باطن لا يظهر، ولكن يتبين بعرض أعمال صاحبه على الشرع، فعند عرضها على الشرع نرى أنها لا تمثل إلا هوى صاحبها، ولا تصدر إلا من مبتدع جاهل، يقول في الأمور بغير علم، وخاصة أمور الدين.

٤ - الجهل: ألوان الجهل كثيرة، وكلها تؤدي إلى إحداث البدع المتقابلة، فمنها:

- الجهل بالدين: فالقول على الله بغير علم وقبول ذلك من قائله فيه من الإضلال ما يكون سببا لنشوء الخلاف بين الفرق وظهور البدع المتقابلة.

قال ابن كثير - رحمه الله - عند قوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (١١٦)} النحل: ١١٦: " ويدخل في هذا كل من ابتدع بدعة ليس له فيها مستند شرعي أو حلَّل شيئاً مما حرم الله، أو حرم شيئاً مما أباح الله، بمجرد رأيه وتشهيه" (٢).

وليس الجهل قاصراً على من ليس عنده علم مطلقاً، بل يشمل من عنده علم كثير، ولكنه يتجاوز ما يعلم إلى ما لا يعلم، ويتجرأ على ما لا يعرف،


(١) الاعتصام للشاطبي (٢/ ١٧٦).
(٢) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (٢/ ٥٩١).

<<  <   >  >>