للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهو الذي أوحى الله إليه بأن يعمل بشريعة من قبله، وأن يبلغها (١) إلى قوم موافقين له في التوحيد (٢).

وأما الرسول لغة: فمشتق من (الإرسال) بمعنى البعث والتوجيه، يقال: أرسلت فلاناً في رسالة: أي: بعثته، فهو مرسل ورسول، قال تعالى عن ملكة سبأ: {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (٣٥)} النمل: ٣٥، ويجمع الرسول على أرْسُل، ورُسُل ورُسْل، ورُسَلاءَ، وسُمُّوا الرُّسُل بذلك؛ لأنهم مبعوثون وموجهون من قبل الله - عز وجل -، لتبليغ الخلق أمر الله ووحْيه (٣)، كما أن الرَّسل تأتي بمعنى التتابع؛ أخذًا من قولهم: رَسَل اللبن إذا تتابع دَرُّه، فيكون الرسول هو من تتابَع عليه الوحي (٤).

والرسول في الاصطلاح: هو من أوحى اللهُ إليه بشرع، وأمر بتبليغه إلى قوم مخالفين، سواءٌ دعاهم بشرع جديد أو بشرع مَن قبله (٥).

وقد اختلف العلماء اختلافاً كبيراً في بيان الفرق بين النبي والرسول، وذلك بسبب اختلاف ضبطهم للتعريف الاصطلاحي، وبيان الفرق بينهما، والراجح أن بينهما عموم وخصوص مطلقاً، فالنبوة داخلة في الرسالة، والرسالة أعم من جهة نفسها وأخص من جهة


(١) النبي يقع عليه الإرسال؛ ولكن لا يسمى رسولاً عند الإطلاق؛ لأن الله - عز وجل - جعل من ملائكة مرسلين، ولكن إذا أُطلق لفظ الرسول فلا ينصرف إلى من أُرسل من الملائكة، وإنما ينصرف إلى من أُرسل من البشر، وهذا يدل على أن الفرق قائمٌ بين النبي والرسول، وأن النبي إرسالُه خاص، وأن الرسول إرساله مطلَق. كما دل على أن كلاً منهما مرسل، وأنهما مع ذلك بينهما تغاير، قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ} الحج: ٥٢.
ينظر: شرح العقيدة الطحاوية للشيخ صالح آل الشيخ (١/ ١٤٥ - ١٤٦)، وأضواء البيان (٥/ ٧٣٥).
(٢) كما جاء في الحديث: (العلماء ورثة الأنبياء)، ولم يجعلهم ورثة الرسل، وإنما قال: (وإن العلماء ورثة الأنبياء)؛ وذلك لأن العالِم في قومه يقوم مقام النبي في إيضاح الشريعة التي معه، فيكون إذًا في إيضاح الشريعة ثَم شبَهٌ بين العالِم والنبي، ولكن النبي يوحى إليه فتكون أحكامه صوابًا؛ لأنها من عند الله - عز وجل - والعالم يوضِّح الشريعة، ويعرِض لحُكمه الغلطُ. ينظر: تفسير البيضاوي (٤/ ١٣٣).
وينظر في تعريف النبي شرعاً: النبوات (٢٥٥ - ٢٥٦)، ومجموع الفتاوى (١٠/ ٢٩٠)،
و(٣) ينظر: تهذيب اللغة (٢/ ١٤٠٧)، معجم مقاييس اللغة (ص ٤٠٢)، الصحاح (٤/ ١٧٠٨)، لسان العرب (١١/ ٢٨٣ - ٢٨٤)، القاموس المحيط (ص ١٣٠٠).
(٤) ينظر: لسان العرب (١١/ ٢٨٣ - ٢٨٤)، وأصول الدين، لعبد القاهر بن طاهر البغدادي (ص ١٥٤).
(٥) يوسف - عليه السلام - أُرسل إلى أقوام مخالفين مشركين، فبلَّغهم دين الله بشريعة من قبله.
ينظر لتعريف الرسل شرعاً: النبوات (ص ٢٨١ - ٢٨٢)، وشرح العقيدة الطحاوية للشيخ صالح آل الشيخ (١/ ١٤١ - ١٤٨).

<<  <   >  >>