للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الثاني: الانحراف المؤدي إلى الإفراط في الإيمان بالرسل.]

من جملة المخالفين لأهل السنة والجماعة في هذا الباب، الغلاة المنحرفون كالنصارى الذين غلوا في عيسى - عليه السلام - فجعلوه ثالث ثلاثة -تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً-، وكالغلاة في نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - الذين ادعوا أنه يعلم ما كان وما يكون، وأن الكون ما خلق إلا من أجله، وأن الكائنات خلقت من نوره، وأنه أول الموجودات، وأنه يكشف الكرب ويغفر الذنب، ويجيب المضطر إذا دعاه، ويذهب الهم والغم ويكشف الخزن، ويعلم الغيب، وغيرها من الصفات التي ليست إلا لله وحده لا شريك له.

متجاوزين حقيقة أن رسل الله - عز وجل - بشر كسائر البشر فلا يملكون جلب النفع لأنفسهم ولا لغيرهم، ولا دفع الضر ولا كشفه إلا بشيء قد كتبه الله وقدره وأعانهم عليه، وليس لهم من علم الغيب شيء إلا ما أطلعهم الله عليه وخصهم به، وليس لهم من صفات الألوهية أو الربوبية شيء البتة، بل هم عبيد لله من أكمل عباد الله عبودية وأحسنهم طاعة (١)، كما دلل على ذلك القرآن الكريم وأكثر من وصفهم بالبشرية، واصطفائهم بالوحي.

ومن أجل هذا فإن الانحراف المؤدي إلى الإفراط في الإيمان بالرسل، يأتي من طريقتين، وهما:

- أولاً: اعتقاد القداسة في ذوات الأنبياء والرسل:

لقد غلا اليهود في عزير، كما غلت النصارى في عيسى غلواً عظيماً، قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٣٠)} التوبة: ٣٠، ولم تكن الفرق البدعية منهم ببعيد، فقد أوصلهم غلوهم في نبينا - صلى الله عليه وسلم - إلى:

o - اعتقاد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خلق من نور الله فقالوا بالاتحاد ووحدة الوجود.

فالنبي - صلى الله عليه وسلم - عند أئمة الصوفية خُلق من نور الله تعالى، ثم خُلق من نور النبي - صلى الله عليه وسلم - بقية المخلوقات، وهذا الذي ذهبوا إليه من خلق العالم أو صدوره عن ذات الله تعالى


(١) الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان لابن تيمية (ص ٤٠)، غلم الغيب في العقيدة الإسلامية، د. أحمد الغنيمان (ص ٢٧٨ - ٢٧٩).

<<  <   >  >>