للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٥ - الاشتغال بما لا ينفع إلى ما فيه نفع الأعداء والعودة عليهم بالضرر (١):

إن من أعظم آثار البدع: أن أهلها كما ابتدعوا ما لم يشرعه الله ولم يأذن به، فكذلك بالمقابل تركوا ما شرعه الله وأمر به من أصول الدين والحكمة.

واشتغال الناس بما لا ينفعهم، وانصرافهم عمَّا ينفعهم، وتركهم ما كلفوا به، وإسراعهم فيما لم يكلفوا به؛ هذه لفتن من آثار البدع المتقابلة. وقد حذر العلماء قديماً وحديثاً عن الاشتغال الذي لا نفع فيه عما فيه نفع.

قال ابن القيم - رحمه الله -: " كل من أعرض عن شيء من الحق وجحده، وقع في باطل مقابل لما أعرض عنه من الحق وجحده ولا بد، حتى في الأعمال، فمن رغب عن العمل لوجه الله وحده ابتلاه الله بالعمل لوجوه الخلق، فرغب عن العمل لمن ضرّه ونفعه وموته وحياته وسعادته بيده، فابتلي بالعمل لمن لا يملك له شيئاً من ذلك، وكذلك من رغب عن إنفاق ماله في طاعة الله ابتلي بإنفاقه لغير الله وهو راغم، وكذلك من رغب عن التعب لله ابتلي بالتعب في خدمة الخلق ولا بدّ، وكذلك من رغب عن الهدى بالوحي، ابتلي بكناسة الآراء وزبالة الأذهان ووسخ الأفكار" (٢).

يؤكد العلاّمة عبد الرحمن السعدي - رحمه الله - ذلك قائلاً: "لما كان من العوائد القدسية والحكمة الإلهية أن من ترك ما ينفعه وأمكن الانتفاع به ولم ينتفع، ابتلي بالاشتغال بما يضره، فمن ترك عبادة الرحمن، ابتلي بعبادة الأوثان، ومن ترك محبة الله وخوفه ورجاءه، ابتلي بمحبة غير الله وخوفه ورجائه، ومن لم ينفق ماله في طاعة الله أنفقه في طاعة الشيطان، ومن ترك الذلّ لربه، ابتلي بالذل للعبيد، ومن ترك الحق ابتلي بالباطل" (٣).

يقول الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: " إياكم وما يحدث الناس من البدع، فإن الدين لا يذهب من القلوب بمرة، ولكن الشيطان يحدث له بدعاً حتى يخرج الإيمان من قلبه، ويوشك أن يدع الناس ما ألزمهم الله من فرضه في الصلاة والصيام والحلال والحرام، ويتكلموا في ربهم .. " (٤).


(١) أي بالضرر العقدي، وهذا في الحقيقة هو الضرر الأساسي والذي بسببه تأتي بقية الأضرار المادية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
(٢) مدارج السالكين (١/ ١٦٥)، وينظر الفوائد (ص ٢٧).
(٣) تفسير السعدي (١/ ١٨).
(٤) اللالكائي (١/ ١٢١).

<<  <   >  >>