للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعدم توبة صاحب البدعة له أسباب (١)، منها:

أأن الدخول تحت التكاليف في الشريعة صعب على الأنفس؛ لأنه أمر مخالف للهوى، ومحاد للشهوات، فيثقل عليها جداً؛ لأن الحق ثقيل، والنفس إنما تنشط بما يوافق هواها، لا بما يخالفه، وكل بدعة للهوى فيها مدخل؛ لأنها راجعة إلى نظر مخترعها وهواه، لا إلى نظر الشارع وحجته.

ب أن المبتدع لابد له من تعلق بشبهة دليل، ينسبها إلى الشارع، ويدعي أن ما ذكره هو مقصود الشارع فصار هواه مقصوداً بدليل شرعي في زعمه، فكيف يمكن الخروج من ذلك، وداعي الهوى مستمسك بأحسن ما يتمسك به؟ وهو الدليل الشرعي في الجملة.

ت أن المبتدع يزيد في الاجتهاد لينال في الدنيا التعظيم والمال والجاه، وغير ذلك من أصناف الشهوات، ويرون أن عملهم أفضل من عمل غيرهم، قال تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (١٠٣) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (١٠٤)} الكهف: ١٠٣ - ١٠٤. فسبب ما داخل أنفسهم من الهوى يجد المبتدعة في ذلك الالتزام والاجتهاد، خفة ونشاطاً، يستسهلون به الصعب، {كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} المدثر: ٣١.

وقد ذكر الشاطبي - رحمه الله - سبب رجوع بعض أهل البدع وتوبتهم من بدعهم، وإصرار بعضهم عليها فلا يتوبون منها، وهم عامة أهل البدع وغالبهم، فقسم الشاطبي أصحاب الأهواء إلى قسمين: قسم أشرب الأهواء وتمكنت منه، وقسم لم يشربها، فمن أشرب البدعة من أصحاب الأهواء لا يتوب منها، ولا يرجع عنها، إلا أن يشاء الله؛ وأما من لم يشربها، ولم تتمكن منه، فهذا هو الذي يمكن أن يتوب منها (٢).


(١) ينظر: الاعتصام للشاطبي (١/ ١١٤ - ١٢٥)، والبدعة والمصالح المرسلة (ص ٢٠٩ - ٢١٩).
(٢) ينظر: الاعتصام (٢/ ٢٧٠ - ٢٧٤).

<<  <   >  >>