للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من أسماء الله تعالى وصفاته، وركنوا إلى قواعدهم العقلية وأصولهم الفلسفية، وجعلوها عمدة في ردّ ما ورد به الشرع بدعوى معارضته لها (١).

وهكذا نلحظ أن كثيراً من انحراف هؤلاء، إنما هو نتيجة التزامهم بما اعتمدوه من كليات عقلية وقواعد منطقية، أدت بهم إلى التفريط في باب أسماء الله - عز وجل - وصفاته، والحقيقة أنهم إنما توهموا هذه اللوازم لمَّا فسدت ألسنتهم وعقولهم، فوقعوا في الفرقة والضلال، والشك والريبة والوبال، وصاروا كالذين وصفهم الله -بعد هذه الآية أيضاً_ بقوله: {وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (١٤)} الشورى: ١٤، فنعوذ بالله من الخذلان (٢).

- ثالثاً: القياس الفاسد (٣) في العقليات، والتأويل الفاسد في السمعيات:

القياس الفاسد لا ينضبط كما أن التأويل الفاسد ليس له قانون مستقيم. وذلك أن كلا منهما غير مرتكز على نقل صحيح أو عقل صريح. والتأويل الخطأ يكون في النصوص المتشابهة؟ وذلك كألفاظ نصوص صفات الله وألفاظ نصوص صفات المخلوقين قال تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} المائدة: ٥٤، وقال سبحانه: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (٥)} طه: ٥، وقال: {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ} المؤمنون: ٢٨، فتأولت المبتدعة مدلول نصوص صفات الله لما بين النصوص من التشابه.

والقياس الخطأ يكون في المعاني المتشابهة حيث أن كلا من المقيس والمقيس عليه له نصيب من المعنى الكلي المشترك (٤)، فـ"ما من شيئين إلا ويجتمعان في شيء، ويفترقان في شيء، فبينهما اشتباه من وجه وافتراق من وجه، ولهذا كان ضلال بني آدم من قبل التشابه، كما قال الإمام أحمد - رحمه الله -: أكثر ما يخطئ الناس من جهة التأويل والقياس، فالتأويل في


(١) ينظر: النفي في باب صفات الله - عز وجل - (ص ٩١ - ٩٢)، وقد ألف شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - كتابه الكبير: "درء تعارض العقل والنقل" في إبطال هذه الدعوى.
(٢) ينظر: قلب الأدلة على الطوائف المضلة في توحيد الربوبية والأسماء والصفات (ص ٧٨٧ - ٧٩٠).
(٣) وهو القياس على غير أصل، فلا أصل له من كتاب ولا سنة ولا إجماع، وهو عمدة كل مبتدع؛ لأن العقول تستحسن ما لا يستحسن شرعاً.
ينظر: الاعتصام للشاطبي (١/ ٣٤١) (٢/ ١٧) (٣/ ٢٤١).
(٤) التحفة المهدية شرح العقيدة التدمرية، لفالح الدوسري (١/ ٢١٧).

<<  <   >  >>